*نبيل أبوزرقتين
يا أُمّي
القبرُ باردٌ
أرسلي لي قميصاً من الصوف
قالوا: إنّه يجمع العتمة في جوال بحجم القدر, شريطة أن تكونَ الشمس نائمة, وكل ضوء يتعرف إلى أحلامه الصدئة عن طريق إبرة مملوءة بالجحيم .
قلت:
وأنا أساعد الشمس في تنقلاتها بين البلاد
والملائكة أيضاً تبني من ترابها
رؤوساً بلا أفكار
دعني أفتح هذه التفاحة
التي منها
يخرجُ ملائكة صغار
يجلسون معي بسلام
من بعيد أنادي:
تخرج الجثث برغباتها المحبوسة خالية من البرودة
والطفولة – إنما تعب الخطايا واضح
وكل جثة تحمل في يدها نهراً ممتلئاً بالكوابيس التي لها
دموع طويلة
تشرب منها الأبقار البيض
إذن ما العمل؟
والأرواح
تطل من نافذة الغطاء
وأين الخوف الذي تركته يجادل أفكاري
وهي تواصل المشي
بحذاء مختلف
تغسل عرق العدم
وجزءاً من المسافة
التي أساءت لصورة جسدي
جسدي المنسي
يصرخ الي من البلوى
والوقت
هنا
تراب
لكنه يبقى هناك
يخلع له الإنسان تابوته
وينادي
أيها الغارق في الحمى
بنات السيول:
وحدهن يهندسن الخصوبة
وحدي أهندس الموت
أيها الغارق
تتثاءب روحي
“ألم تر إلى ربك كيف مد الظل”
وكيف سكب منه الأيام
فيخرج الماء عاطلا
وعتمته تكفي لإخفاق يدي
لكني أسمع نداء غامضاً
يدلني على نبوءة منسية
تهب الكائن العلوي ظلاً متقطعاً
يهبط له كشهقة
تطفئ الخطايا المظلومة دوماً
لتنال الأرض من جسدي
وتنال السماء
من روحي . .
ليت اللغةَ ترحمُني
ويكون حكمها خفيفاً عليَّ
وسط الهواء الجاف المحاط بعظامي الهشة . .
أنا ما عبرت فراغاً
يوصلني للجحيم
ولا ظلاما أخضر كقافلة
ولا جنازة تواسي الورد
حينما تبطئ الريح
ولا يسمح لأعضائي بالكلام
وقت كانت الحياة
تصعد من عيني
وتنسى أوهامها
مع البنات
الآن أستطيع إغماض الصمت بأمل
أرى جسداً
أعرفه بمرارة
كان معي في خطيئة مذلة
أرتجف بثبات
تحت خوف مبهم
يسري بين اللعنة والرجاء
أحكُ احتشامي بالخيانة
يظن الوقت في العلبة
أنه ممتلئ وحده
ولا يتصدع من أجل أنفاس طائشة
تجري فوق هذا
الذي يجلس معي:
والحفرة طيبة القلب
لا تؤذي الكائنات الصغيرة
أعود للكلام
الذي نسته الحنجرة
مع الخصومات المتنامية
لتختبر
الظلام
الموزع على جنبات الهوس
يحمل أجسادنا
ساعي البريد
بلا ملل
يوزعها على الحفر الهادئة
أتذكّر الآن
أن الشمس طلبت من الوجود كله
يغطي أقدامها من الدفء
أعرف،
أنها ترى،
وتمزح أيضا،
مثلاً
تصدق أنها سترتجف
مِنْ الذي لم يكنْ
وتجازفُ بنصفِ سمعتها
التي سقطت سهواً في طيبةِ الظلام
وأنا مشغولٌ عنها
بترتيب شعري في التراب
من أجل الكلام . .
والكلام فقط
يا إلهي
ولا شجرة قمح واحدة
تنبت على قبري
ولا تشرب دمي الطازج
وتكبر في الفراغ
وتصبح مراهقة في الاربعين
من أجل الغيم
والحمام الأبيض يبني أعشاشه تحتها،
أيها الدم لم تعدْ تنقصني
الأرض كلها قبور
وقبري يسعى
أن يري الحمام في الظهيرة
هل أستطيع الإمساك بواحدة
لأسد ظنون الهواء
يا أمي
قبري بلا نافذة
إنما له عيون حنونة
تواصل الحياة من جريد النخيل،
يا أمي
لا تمشي خلف الليالي الأخرى
المملوءة بالقش
حتى وإن تهامسنا بلا معنى
الآن سأعطيكِ الموتَ في منديلٍ
أرجوكِ ألا تضيّق يدكِ عليه، يموت
لا تبتسمي والنيل فارغ من الورود
هو أكثر بعداً
حينما البنات يغسلن أقدامهن في مرضه
ويتحدثن عن الموت بشهوة
فلا تنسي أن تعاساتي المريرة التي لم أعشها
ستتحدث إليكِ
فعلقيها بصحة معينة
على الباب
يا أمي
لا أفكر الآن
ولا أكتب
إنما أرجوكِ أن تخبري أصدقائي
القبرُ باردٌ
أرسلي لي قميصاً من الصوف
تعرفين أنني بسيط وهادئ
وليس لي في الموت!
حتى انظري
قدمي صغيرة
لا تثق في الجحيم،
كما أن أصابعي نحيفة
ومنحازة للحليب
ها هي، الأبدية تنزع قميصي
والانفعالات الخضراء تتركني وحيداً
أفكر في مقبرتي
بجنون فاقد الخصوبة
أما زلتِ
تضعين خدكِ على الأشجار؟
لتقيسي المسافات بحبات القمح
التي لها بريق المخلوقات
وأصابعك في الطين المبلول
لازلتِ يا أمي
تنتظرين الخوف
أن تسرقه الملائكة
مازلت قصيراً مثل خيط يحتقر القماش
ويخطف لحظة، تنام دائما حول العنق
ولا تأبه الصمت
الصمت
يمر بارداً، أدسه بين جملتين
وأجرب القطيعة
التي تنوي البكاء
مع صمت آخر،
الرحمة مطلوبة
وتستحق الخجل
حتى تأتي بصعوبة
“يضحك”
– لا تصدقوه
إنه كاذب مثل الهدوء في البال
الذي يبحث في جيوبه
عن بطولة رشيقة
فوق الخراب،
هل تصدقين،
أن الأسئلة البديلة
جاءت تسند السماء بيديها
– انظري
هناك
الماء التافه حول البذرة
– ماذا يريد؟
– يرحب بها من الجهة المجبرة عليها
يا رب . . ابق معي
حتى أنا أتصرف بحماقة
غير مكتملة النمو
وأغطي رأسي
حتى أرى اندهاشي
واقفاً
آه . .
القدر جريمة
تلتصق برائحة ثوبك
وأنت تجاور تمردي
ما عاد الذي كنا
نتوقعه الآن
هو الأقل
في اللحظة الأخيرة
تندلق الأرواح
شهقة
شهقة
وروحي تبقى وحدها سائبة
تستعجل الصباح الذي
هزم نفسه أمام الفضيحة،
لكن لا
سأحصل على زورق في السماء
بعد أن تغلق المقبرة عليَّ
والظلُ يخرجُ حياً
من حذاء لن
يسعفه المشي
وأصعد إلى الأرض
مع الرجل الذي يطحن دماء العرافات, ساعة قلبي يكون محتفظا بسوء النية، ضد أعدائه يوم الجنازة
بينما السماء لا تضمني بتلقائية الأطفال وتحدثني عن أشيائها .
________
*الخليج الثقافي