تَـــمَــــائِــــمٌ لِـــغَــرَقِ الأَيَّــــام


*عبد الغني موعكيس

( ثقافات )
” أبحث عن لغة واضحة حد
الغموض الآسر… لذلك سأكفر بك أيها المعنى..
.”

-1-
الْقَرْيَةُ الَّتِي عَفَّرَتْ أَقْدَامِي بِمَدِيحِ
الْبَلَحِ صَدَّقَتْ هَوَاجِسَ الْمَسَاءِ، 
وَامْتَدَّتْ عَبْرَ هَذَا النَّحِيبِ….
قَاحِلَةً كَمَا زُرْقَةٍ بِلاَ سَمَاء،
الْتَحَفَتْ سَذَاجَةَ الْغَرْقَى، وَقَالَتْ لِلْعَطَشِ: مُتْ بَرْداً
أَوْ تَمَدَّدْ لِهَذَا الْخُشُوعِ الأَعْزَلِ…
كَآيَاتٍ خَسِرَتْ أَحْرُفَهَا عَلَى 
بَابِ الْمَعَارِكِ الْقَدِيمَةِ…
كَلُهَاثٍ وَشَّحَتْهُ الأضَالِيلُ مَبْهُوتاً..
لَكِنَّ فَاكِهَةِ الْجُوعِ لَمْ تَرْتَفِعْ أَبْعَدَ مِنْ هَمَسَاتِهَا،…
يَقُولُونَ: يَمَّمَ الرَّمَادُ حُصُونَهَا.

آهٍ، لَوْ تَبَاطَأَ الْوَمِيضُ مَفْتُوناً بِشُرُوخِ الْبَيَاضِ الْمُزَجَّات..
وَعَادَت الْوَصَايَا مَكْسُورَةَ الأُفُقِ، تَرْتَدِي
هَذَيَانَ الأَيْدِي الطَّرِيدَة…
وَتَنْأَى مُتْعَبَةً كَحَافَةِ مُزْحَةٍ مِن احْتِلاَمٍ أَخْرَس…

مَنْ يُوَقِّعُ الْقِتَالَ الْمَحْبُوسَ فِي فَمِي، عِنْدَمَا يُشْهِرُ
الْخَشْخَاشُ فِخَاخَهُ، 
مَنْ يُضِئُ ذَاكِرَةً بِلاَ سَرِيرٍ…
وَهَلْ مِنْ خَلَوَاتٍ لاَ تَتَعَقَّبُهَا الْحِيطَانُ الْمُنْقَرِضَة، 
هَلْ مِنْ بَقَايَا انْبِجَاسٍ لِغُرُوبٍ لاَ يُؤَجِّلُ كَلاَمَنَا…
أَمْ سَتُنْقِدُنَا غَيْبُوبَةَ الطَّيْرِ…
مِنْ انْقِلاَبَاتِ الدُّخَّانِ.
-2-
هَا أَنَا أَطْفَحُ فَوْقَ الْحُطَامِ حُطَاماً أَوْ
ذَنْباً تُلَفِّقُهُ الْحَكَايَا…
لَكِنَّهُ لاَ يُسْفِرُ عَنْ مِحْبَرَةٍ أو مَآلْ…
كَالْمُحَنَّطِ فِي ثُقْبِ الأَبَدِيَّةِ أَتَأَبَّطُ 
نُتْفَةً مِنْ صَهِيلِ الصَّبَاحِ…
وَأَعْدُوا نَحْوَ بِدَايَةٍ ضَيَّعَتْ مِيلاَدَهَا.

مِنْ أَيِّ الْغَفَوَاتِ يَرْشُقُنِي حَطَبُ الْمَدَى، وَيَمْتَصُّ
دَمَ الذِّكْرَى…
لاَ تُعَدِّدُوا كَيْنُونَةَ الْمَوْجِ ، شَرْقَ يَنْفَتِحُ
الْوَقْتُ غَائِماً، قَدْ تَرْقُدُ الصَّحْرَاءُ لأَجْلِ ظِلِّهَا، قَدْ
تَنْسَلُّ الْمَغَارَاتُ
أَشْبَه بِعَرَقٍ هَجَرَتْهُ الْحُمَّى…
قَدْ يَحْفِرُ الرُّفَاتُ مَقْبَرَةً أَوْ يُغْلِقُهَا، وَيَكْتُبُ
لِلنَّوَايَا دَسَائِسَهَا 
الْمَفْقُودَةَ…
تَزَوَّجُوا نَكْبَةَ الظِّلِّ الأُولَى، هُنَالِكَ مَوْتٌ لاَ يُوطَأُ 
إِلاَّ اخْضِرَاراً …
تَذكَّرُوا، كُلَّمَا 
هَوَتْ سَمَاءٌ نَصِّبُوا غَنَائِمَ الْبَدْرِ الْبَرْبَرِيَّةِ…
وَارْفَعُوا لِمَكَائِدِ الرِّيحِ الْمُقَدَّسَةِ قِرْبَاناً أزْرَق…
قَشِّرُوا عَتْمَةَ الأَيَّامِ، يَنْحَلُّ الْغَمَامُ وَتَتَرَامَى
الْجُثَثُ مُصدَأة، كَمَا ضَحْكَةٍ فِي مَقْهَى جَحِيم. 

28/07/2002
قرية با محمد – المملكة المغربية

شاهد أيضاً

الرسالة الأخيرة

الرسالة الأخيرة تيد هيوز-شاعر بريطاني ترجمة: محمد عثمان الخليل- مترجم وأكاديمي سوري   ماذا حدثَ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *