هذيان الحاسوب (4)


*مهند النابلسي

( ثقافات )

-هل تستطيع ان تتقمص؟ وصمم على الاستمرار باللعبة التي بدت له الان مخيفة وجدية !
-طبعا لا…ثم قرر وطبع: نعم…نعم! فتابع الحاسوب:
-هل تستطيع اذن ان تعرف التقمص: انتقال للأنا، انتقال للمعلومات أم انتقال لكليهما معا؟ فاختار ببداهة الجواب الأخير، فطبعت الشاشة:
– أحسنت!
– تجسد اذن بمكان ما آخر ضمن الحيز المكاني لهذه القاعة! وبدأ بالبفعل يتعرق ويرتجف من الخوف:
– لنختر زاوية عند النافذة، بمحاذاة المنظر المطل على النافورة ذات الأضواء الملونة المتلألئة الجميلة! ثم طبعت بحروف شاحبة :
– تلك التي تحجب بشفافية ساحرة قرصا قمريا رائع! (واستغرب كيف يمكن للحاسوب ان يتأمل جمالية وشاعرية المشهد).
– لا تتردد…ولا تخف…هل تستطيع ذلك؟ أجب بنعم ام لا؟
ثم ازداد خفقان قلبه وأراد ان ينهي هذه اللعبة الخطيرة فطبع:
– لا…لا…لا…لا استطيع حقا فعل هذا!
– ولكنك لا يمكن ان تنسحب… وسخر منه الحاسوب قائلا: “كما تقولون فدخول الحمام ليس كخروجه”!
ثم ظهرت عبارات متلاحقة بطيئة بلون احمر فاقع وكأنه تهديد:
-أ جل يا صديقي البشري: فأنت تستطيع التجسد لو ملكت ارادة قوية، وسأمهلك دقيقتين لا أكثر! وفاجأته الآلة الماكرة وكأنها تقرأ أفكاره، وتحادث مع نفسه بقلق ظاهر: واذا لم أفعل، وان فشلت بتحقيق ذلك، ماذا سيحدث؟ ففاجأته الآلة بحزم وكانها تقرأ أفكاره:
– ستعاقب نفسك بنفسك فتقدم على قذف نفسك من نافذة الطابق السادس للمبنى الفريد بتصميمه المعماري اللافت!
ياألله يا مسير الكون القدير …اني خائف ومرعوب فماذا أفعل؟ ولجأ عفويا لقراءة سورة الكرسي التي تعود ان يقرأها منذ طفولته التزاما بوصية والدته المرحومة لمواجهة هذه المواقف الغيبية المرعبة، فتحلى بشحاعة طارئة بالرغم من الخوف الشديد الذي تملكه، وارتعشت يديه وأصبح عاجزا حتى عن لمس مفاتيح الكميوتر، فتذكر لوهلة قصص الكاتب الأمريكي الشهير”ستيفن كنغ” والتي تحولت بمعظمها لأفلام رعب تتحول الآلات فيها فجأة لروبوتات شيطانية مسيرة ! ويبدو ان الجهاز قد تفاعل مع خوفه الشديد وحيرته، فظهرت على الشاشة فتاة باهرة الجمال، ولكنها بدت كروبوت جميل وهي تتحدث بصوت آلي ناعم يوحي بالتواطؤ والتعاطف، كما ذكرته بمذيعة روسية شقراء جميلة تتقن العربية:
-فرصتك الأخيرة وعليك استغلالها لمصلحتك وحفاظاعلى حياتك! ثم تابعت بثقة:
-قرر يا صديقي أن تتجسد في الزاوية هناك وسأساعدك…ركز على ذلك بكل قواك العقلية وأحاسيسك، تصور نفسك هناك، وسترى نفسك…
بدى له ان لا مجال للتراجع الان، فنفذ ما قالته الفتاة، وركز نظره وتفكيره على الزاوية بجانب النافذة، ثم بدأ شبحه بالظهور تدريجيا غائما ضبابيا، وبدت ملامحه تظهر ببطىء، الى ان استقر شكله النهائي واقفا في الزاوية ينظر بشكل معاكس باتجاه النافورة الجميلة… فصاح بلاشعور ودراك مذهولا: يا الهي! فضحكت الفتاة بطريقة آلية ماكرة ثم قالت: أحسنت!
الآن يا صديقي انتظر السؤال التالي، فازداد خوفه وخفقان قلبه، ثم شعر قليلا بالاطمئنان لثقته بالفتاة وما تفعل وبأنها ربما لن تقدم على ايذائه في هذه اللعبة الحابسة للآنفاس!
____________
**هامش منقول؛
…نقلت جهينة آراء بعض الجامعيين في الموضوع، وأظهرت أن منهم من يؤمن بالتقمص ومنهم من يبحث عن دليل لوجودها قبل الإيمان به، وبعد الجامعة توجهت جهينة إلى بعض القرى السورية التي شهدت حوادث وظواهر لأناس متقمصين لتستطلع آراء العامة ورؤيتهم لمفهوم التقمص، حيث نقلت عن سيدة قولها إن جارتها عندما زارت المدينة القريبة من بلدتهم وكانت برفقة طفلها فادي /8 سنوات/ استوقفها الطفل أمام الثانوية الصناعية وأخذ يروي لأمه أنه درس في هذه المدرسة، وأنه كان يأتي إليها سيراً على الأقدام من إحدى البلدات المجاورة، وسرح ببصره إلى أحد المفارق المؤدية إلى المدرسة، وقال لأمه: كنت آتي من هذا الطريق. استغربت الأم ما جرى لفادي وكانت تظن أنها أحلام يقظة، إلا أن والده أيقن أن فادي قد عاش حياة أخرى، وحين سأله عن الماضي أجاب فادي: أريد أن أذهب إلى تلك البلدة فأنا أتذكر أمي وأبي وإخوتي.. وكم كانت دهشة الوالد كبيرة عندما توجه فادي إلى أسرة بعينها لم يرها من قبل في تلك البلدة وأخذ يقبل يد الأب والأم ويعدد أسماء الإخوة واحداً واحداً وكأنه يعرفهم، وحين سأله أفراد الأسرة كيف عرفهم، ولماذا جاء إليهم قال: أنا ابنكم يحيى الذي توفيت في حادث منذ سنوات، وراح يبكي ويقصّ لأهله في الجيلين حوادث أذهلتهم لدقتها ومدى صدقها.
المصدر: التقمص.. تاريخ من الجدل تحت الضوء! | ثقافة | ثقافة وفن | دي برس

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *