الصابئة المندائيون أقدم من استوطن بلاد الرافدين والقرآن أول من ذكرهم




خديجة الحيدري *


من الصعب الكتابة عن دیانة تبدو منغلقة على أصحابها، وغير تبشیریة، وفضلا عن ذلك، هناك تضارب آراء بین الخبراء والباحثین بشأن هذه الدیانة، وهي ديانة الصابئة المندائية، فمنهم من یراها دیانة توحیدیـة قدیمـة جـدا، وقریبـة مـن الدیانـة الحنیفیـة عنـد العـرب. 
بینما یرى آخـرون أن الصـابئة طائفـة مـن المسـیحیة كـونهم یشــتركون مــع المســیحیين فــي بعــض الطقــوس الدینیــة كالتعمیــد بالمــاء الجــاري. في حين یــرى بعـض المؤرخین أن الصـابئة فرقـة مـن الدیانة الیهودیـة.
یقول “مسعود فروزنده” أحد مؤلفي كتاب “إیران، أرض سلام الأدیان الإلهیة” إن الصابئین المندائیین هم أتباع النبي یحیی الذین هاجروا إلی نهر الفرات قبل 1950 عاما بسبب الاضطهاد الذي عانوا منه من قبل سكان “أورشلیم”. فكان أول مكان سكنوه هو “حرّان” المدینة التاریخیة المشهورة. ثم انتقلوا بعدها علی امتداد نهر الفرات، إلى أن استقروا في النهاية في بغداد والبصرة والعمارة في العراق، وفي بعض مدن محافظة خوزستان في إیران كالمحمرة والأهواز والحویزة وشوشتر.

والصابئة المندائیـة طائفــة قدیمة جــدا تعتبـر یحیى علیــه السلام نبیّا لهــا ویقـدّس أصـحابها الكواكـب والنجوم ویعظمونهـا. ویعتبـر الاتجاه نحـو القطـب الشمالي، والتعمید في المیاه الجاریة أهم معتقدات هذه الدیانة.

وتعني كلمة الصابئي، الارتماس في الماء، الأمر الذي جعل الصـابئةَ یفضـلون السـكن على ضـفاف الأنهـار فكانــت مسـاكنهم بالقرب من الماء كالضــفاف الســفلى من نهري دجلة والفرات. (ترجمان الأدیـان ، أســعد الســحمراني، دار النفـائس، 2009).

وهنــاك مــن یــرى أن لفظــة الصــابئة مــأخوذة مــن كلمــة “صَــبَا” الآرامیــة وتعني الارتماس في الماء والمعمودیة، ولیس من كلمة صَبَأ العربیة التي تعني خروج الشخص مــن دیـن آبائــه إلــى دیـن آخــر. أمـا مفردة “المنــدائیين” فهــي جمـع المنــدائي ومأخوذة من كلمة “مندایي” باللغة الآرامیة، وتعني العارف، كمـــا أوضـــح ذلـــك الـــدكتور مـــراد كامـــل فـــي كتابـــه تـــاریخ الأدب السریاني، وعلى هذا فالمندي هو معبد الصابئة. (الصابئة المندائیون، اللیدي دراوور، ترجمـة نعـیم بـدوي وغضـبان رومـي، الطبعة الثانیة، بغداد، 1987).والطهارة فرض على أصحاب هذه الدیانة ذكورا وأناثا سـواء وبـلا تمییـز، وتكون في الماء الحي غیر المنقطع عن مجـراه الطبیعـي. أمــا التعمیــد فهـــو أبــرز معـــالم دیانــة الصــابئة المنـــدائیین ولا یكــون إلاّ فـــي الماء الجاري، ولا تتم طقوسه إلاّ بالارتماس في الماء سواءً أكان الوقت صیفا أم شتاء.

وقد أجاز لهم علماؤهم مؤخرا الاغتسال في الحمامات، وكذلك في العیـون النابعة لتحقیق الطهارة. ویجب أن یتم التعمید على أیدي رجال الدین. 

وللتعمیـد حالات متعددة، وهي على النحو الآتي، وفق ما جاء في كتاب “طقــــــوس دیانة الصابئة المندائیین”، لخالد أحمد العیثاوي وأحمد حسین العیثاوي، عن موقع المجلات الأكادیمیة العلمیة العراقیة:

-1 الولادة: ویعمد المولود بعـد 45 یومـا لیصـبح طـاهرا مـن دنـس الـولادة ویـتم ذلك بإدخال الولید في الماء الجاري إلى ركبتیه مع الاتجاه إلى جهـة نجـم القطب. 

-2 عمـاد الزواج: ویتم هذا التعمیــد یوم الأحد وبحضور كتابهم “ترمیــدة” أو “ك كنزا ربـّا”، ویتم خلال ثلاث دفعات في الماء مع قـراءة في كتاب “الفلستا”، وبلباس خاص، ثم یشرب العریسـان من قنینــــة ملئـت بماء أخـذ من النهـر. 

-3 عماد الجماعـة: ویكـون فـي كـل عیـد “بنجـة” مـن كـل سـنة كبیسـة لمـدة خمسة أیام ویشمل أبناء الطائفة جمیعـا رجـالا ونسـاء، كبـارا وصـغارا، وذلـك بالارتماس في الماء الجاري ثلاث دفعات قبل تناول الطعام في كـل یـوم مـن أیام العید، والمقصود منه التكفیر عن الخطایا والذنوب المرتكبة خلال السنة. ویطلق علی الصابئة في اللهجة العراقیة “الصبّة”. لغتهم هي اللغة الآرامیة وخطهم هو خط بین الآرامي والمانوي. ويتكلم الصابئون اللغة المنداوية، غير أنها تكون متداولة أكثر بين علمائهم وكبارهم، فأكثرهم یتحدثون العربیة.

الصابئون في القرآن الكريم 

يمتهن الصائبة المندائيون خاصة في إيران صیاغة الذهب والفضة. وهم لا يرتدون في طقوسهم الدينية إلا القماش الأبيض الطبيعي.

وأول من ذكر الصابئة هو القرآن الكریم، إذ تشير ثلاث آیات قرآنية إلی الصابئة: 

– “إن الذین آمنوا والذین هادوا والنصاری والصابئین من آمن بالله والیوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم فلا خوف علیهم ولا هم یحزنون” (سورة البقرة آیة 62) 

– “إن الذین آمنوا والذین هادوا والصابئین والنصاری من آمن بالله والیوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف علیهم ولا هم یحزنون” (سورة المائدة آیة 69)

– “إن الذین آمنوا والذین هادوا والصابئین والنصاری والمجوس والذین أشركو بالله إن الله یفصل بینهم یوم القیامة إن الله علی كل شيء شهید” (سورة الحج آیة 16)

الطقوس الدينية


يؤمن الصابئة بالله الواحد واليوم الآخر، ولهم طقوسهم وشعائرهم الدينية الخاصة، ويحتل الماء مركزا أساسيا في طقوسهم وشعائرهم، فهم يعمّدون الطفل عندما يولد، كما يفعل المسيحيون، كما أنهم يدخلون الماء في طقوس الزواج والمأتم.

ویقومون بالتعمید وطلـب الغفـران لمواجهـة الحیـاة مواجهـة جدیدة نقیة خالصة لوجه الله، كما أنه دليل على اعتناق الدین الصابئي. ولدى الصابئة كتب كثیرة إلاّ أن كتـابهم الـرئیسي هـو “كنزاربا” أي الكنز العظیم، ثم كتاب “ترمیدة” وكتاب “اشكندا”. 

‏ومن الطقوس الأخرى في دیانة الصابئة هـــي: العماد، والصلاة والصيام والصدقة. والعماد المندائي یمارس بثلاثة أنواع: 

– العـام ومـن مسـتلزماته المـاء الجاري، وقـد عـوض فی ما بعـد بـأحواض الماء التي تقام داخــل المنـدى مــع إكلیـل من الریحـان أو الآس إشارة إلى الطیب. كما یشترط ارتداء الملابس الدینیة، ودعاء هـذا العماد هو: “رسمي لا یكون بالنـار ولا بالزیـت ولا بالمسـح، رسـمي بالماء العظـیم، ماء الحي. 

– النوع الثاني هو العمـاد الشخصـي ویسـمى “طماشـه” وهـذا العمـاد مجـرد اغتسال عن النجاسات كالجنابة وغیرها. 

– أما النـــوع الثالـــث مـــن العمـــاد یســـمى “رشـــامة” وهـــذا هـــو الوضـــوء، ویمـــارس ثلاث مرات یومیا وتغسل خلاله الأعضاء الخارجیة. وبعــد أن ینتهي المنــدائي مــن الوضــوء یقــوم بالتوجـه إلـى القبلـة وهي عنــد أدیان الصابئة جهة الشمال. وصـلاة المندائي عبارة عـن قـراءة وتبریكات الانحنــــاء كلمـا وردت كلمة الســجود في الـنص المقـروء كقـولهم: “قومـوا أیها المؤمنـون اسـجدوا وسـبّحوا ﷲ العظــیم”.

للصابئة كتب ومخطوطات دينية، طقسية، تاريخية، ومعرفية جميعها مكتوبة باللغة المندائية الآرامية. وهي كتب غنية بالعمق اللاهوتي الديني والعقائدي والروحاني 

أما أوقات تأدیة الصلاة وأسلوبها ومستلزمات أدائهـا فتكـون وفـق مـا هو مقرر في كتبهم المقدسة، فهي تؤدى ثلاث مرات في الیوم: قبیـل الشـروق وعنـد الـزوال وقبیـل الغـروب. وتســــتحب أن تقام جماعـة فـي أیام الأحد والأعیـاد، فیهـا وقـوف وركـوع وجلـوس على الأرض مــــن غیــــر سـجود، وهي تستغرق ساعة وربع الساعة. 

یتوجـــه المصلي خلالهـا إلـــى المندي بلباسـه الطاهر، صـــافي القـــدمین، یتلو سبع قـراءات یمجّـد فیهـا الـربّ، مسـتمدا منـه العـون فـي تیسـیر اتصـاله بعـالم الأنوار، أما الركن الآخر لدیانة الصابئة المنـدائیین فهـو الصـيام، وفیـه یمتنعـون عن أكل اللحوم المباحة لهم مـدة یوم. وقد حرّم اليوم الصابئة الصيام لأنهم عدّوه من باب تحریم ما أحلَّ الله. 
مع أن البحوث حول هذه الدیانة بدأت منذ القرن السابع عشر، إلا أن هذه الدیانة ما زالت من جملة الدیانات المنسیة والمجهولة. ویقول “فروزنده” حول هذا الموضوع إن أحد أسباب هذا الأمر هو أن الصابئة بسبب طقوسهم المترابطة كثیرا بالماء والتي تفرض عليهم أن یسكنوا قرب الأنهار والشطوط في المناطق الحارة ككارون في إيران والفرات في العراق، لیتمكنوا في أكثر أیام السنة أن یدخلوا الماء، فإنهم تبعدوا دون أن یریدوا الابتعاد عن الناس. أما السبب الثاني فهو أن الدیانة الصابئية لیست تبشیریة ولا یوجد فيها التبشير، وبمعنی آخر لا یوجد منع في هذه الدیانة في الخروج منها، غير أن الدخول إلیها ممنوع. وفی إیران وسائر الأماكن التي يوجد فیها الصابئة قلما نری رغبة في البحث أو التعرف إلی هذه الدیانة فبقيت منسیة وبعیدة.
( العرب الدولية )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *