شهرزاد و الكلب


*سعدي عباس العبد

( ثقافات )

 منذ اومأ اليها عبر سياج السطح . سطح البيت المجاور لبيتها . . منذ لاح لعينيّها بوجهه الفتي الذي بلون النحاس . وهي مدّاومة على ارتقاء درج السطح , .. توقفت محاذاة سياج السطح . وجهها باتجاه الريح او السطح المجاور , تحدّق بنظرات تنضح لهفة ورغبة . . رغبة طفقت تنمو في بدنها , منذ لوّح اليها بيدهِ , رغبة خفّية راحت تنتشر داخلها ! تتدفق على مهل , في بدنها الفتي , فتشعر كما لو انها تتشمّم رائحته الآن عبر السياج الخفيض الفاصل بين الدارين . كما لو إنها تلقي برأسها الآن إلى صدّره , رأسها الضاجّ بامواج صاخبة من الاحلام المحظورة ..الاحلام التي شرعت تتأجج كالحرائق في رأسها واعماقها . اعماق الفتاة المراهقة , .. وكما لو إنها هبطت من على سفح شاهق , خفق قلبها بشدّة , حالما لمحته ينبثق عبر السياج , بوجهه المضاء بنور النهار والاغواء . . جعلت تتطّلع ناحيته كما لو تراه للمرة الاوّلى .. لم يقل الولد المراهق شيئا أو قال اشياء حميمة بيده الملوّحة في الفضاء .. عبر عن توقه ورغبته عبر يدّه , عبر الأيماءة المشحونة بالاغواء والرغبة , فتضرج وجهها بمسحة من الاحمرار والرغبة , الرغبة التي التي اندلعت كالحريق تضرم داخلّها . الرغبة المكبّلة بقيود من الخوف والفضائح . كانت واقفة على مقربة من حبل الغسيل , الحبل الممتد طرفه الآخر محاذاة سياج الولد المراهق . كان الحبل فارغا من ثياب الغسيل , إلّا من حمّالة ثدّيين تؤرجحها الريح وتنورة صفراء تشغل الفراغ في الطرف البعيد وهي تخفق في الريح . الريح التي بدت كأنها تسيل بتموجات صفر تندلق من نسيّج التنورة المتمايّلة كشراع في عاصفة على وشك الهبوب . خامرها قلق غامض جراء تلوّيحات الولد المبّحرة في مجرى من التكرار … مالبثت انّ اشرعت يدها في الهواء ثم هبطت بها على رأسها المحشو بالاحلام الممّنوعة والمحرّمة !! فيما بقيت الرغبة تتنامى وتتصاعد .. فطن الولد لايمأتها المتردّدة . فطلب اليها عبر يده التي بقيت معلّقة في الهواء : انّ تدنو ولكن الفتاة ذات السحنة السمراء المفعمة باللهفة والتوق والخوف والغاطسه في نهار لاذع من الرغبة والاحلام التابو ! لم تستطع انّ تبدّد قوّة تردّدها , فلبثت مشدودة للسياج والخوف والحلم والقلق والرغبة . مشدودة لخليط من اشياء الوجود المتصادمة المتنافرة .. تدفق صوت الولد .. سمعته واضحا [ ولكن أهذه نبرته .. أم نداء ينبجس من اغوار غامضة , خفّية , ؟ .. لا احد سيرتقي درجات السلّم المؤدّية لسطح الدار , فامّي قابعة مركونة في غرفتها الرطبة , وأبي خارج الدار مشغول , هو دائما مشغول وكذلك اخي . فمّمن اخاف . او من اي نبع يتدفق الخوف ..!! ولكن صوت منْ هذا المتصاعد في داخلي . المتدفق في روحي وعظامي ولحمي واحلامي ورغباتي !! أهذا صوت الولد ..؟ ] وعلى غير توقّع تدفقت نبراته من عمق النهار . فاعتراها القلق ولكن الريح بقيت تأتي بصوته لاسماعها ناعما مفعما بالاغواء والرغبة . فتحس بخدرّ يتمدّد في بدنها , خدر ينؤ تحت اثقال من المحرّمات ..اشرأب رأس الولد عبر السيّاج يغرق في نور النهار , كأنه يمحو المسافة الفاصلة وهو يفيض بذلك النداء الخفّي .. اقتربت منه بخطوات قطة ناعمة كما لو انها تخرج من سرداب مظّلم , مشدودة الى خيط راعش من الاغواء يجرّها الى اختراق ذلك الحاجز المشيّد بالمحرّمات , قبل انّ تطوف ابتسامة غامضة على شفتيّها المنّفرجتين . التفتتّ للوراء حيث اسّيجة السطوح المعلّقة في فضاءات خفيضة متوترة ! كما لو انها تنضح غبارا نازفا يغشي بصرها .. فبدت تنورتها الصفراء المنشورة على حبل الغسيل كبقايا جثة مصلوبة تعبث فيها الريح , على قمّم جدران السطوح لمحت قطة ضامرة تتواثب ..كأنها تتسلق سفوح متشابهة الملامح . فوق القمم وعلى جانبيّ الحبل , تحلّق عصافير كبقع رمادية طائرة في الهواء.. قادّتها قدماها بذات الخطوات المتردّدة كما لو انّ حبلا يجرّها عنوة . حبل من الرغبة والاغواء , صوب الولد [ الارض تدور بي , ورائحته الذكورية تزداد انتشارا وتنفذ عميقا الى بدني والاغواء ما ينفك ينمو ويتصاعد من بدني .. الرائحة لما تزل تضوع قوّية صادمة غاوية ] طلب اليها الولد انّ تثب السياج , فلبثت مسمّرة ولكن سرعان ما امتدّت اليها يدّ الولد فجرّها برفق لوجهه فغمرتها رائحته عبر السياج الخفيض او الحاجز , الحاجز الذي سرعان ماتلاشى حالما طبع قبّلة حارة , امتص خلالها رحيق الرغبة المتأججة . قبل انّ ينزع شفّتيه عن فمّها لمح إحدى ساقيّها تتسلّق السياج , تجذبها قوّة خفيّة ناضحة رائحة ذكورية نفّاذة , .. كان نور النهار مفروشا هناك عند اسّيجة سطوح البيوتات والريح تحمل اصداح العصافير . عصافير تخفق في وثباتها المتعاقبة أعلى هامة شجرة مدّلاة اغصانها العليا محاذاة سياج برج الحمام . لما وجدّت جسدّها محمولا على كفٍ من الرغبة , هجست بشيء ما , كالعشب الندي يتغلغل وسط ثدّييها المهصورين باصابع ضاغطة . فتخضّبت انفاسها المتلاحقة برائحة جسدة الحارة , جسده الراعش في ركوبه فوق بدنها , يلثمّ عُرّيها الغارق في فيوضات الشمس وفي مجرى محموم من النشوة المتأججة . قبل انّ تجذب بدنها المتصبّب عرقا ونشوة وطراوة . قبل انّ تفك التحام الجسديّن الغارقين في مجرى من الاتصال والرغبة , احست بانفاسه قد خمدت , انطفأت في ماء جسدها , وقبل انّ تسوّي فوضى عُرّيها , سمعت صوتا يأتي عبر سياج الجار اليمين . . كان صوت العجوز الجارة النمّامة الواشّية التي اطلّت عبر السياج على غير توقع . تلاحقهم بنظراتها وصوتها وروحها المدجّنة على شمّ رائحة الفضائح من بعيد . لما رأت الفتاة وجه العجوز الطاعن بالمكّر والنميمة اصابها الرعب فتخشّبت في موضعها ..
عند حلول طلائع الصباح اكتشف عمال البلديّة الفتاة كتلة هامدة مفروشة وسط القمامة عند اقصى البلدة , تغط في موت عميق , فوق بساط من الدم المعفّر بالغبار والاوساخ على مقربة منها كان كلب يطلق نباحا متصلا وهناك كانت قطة رثة تموء , مواء مريضا فاترا .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *