‘ذا هوبيت’ التاريخ حين يصبح قصة شيقة للأطفال


*سعيد أبو زينة

كان مشهد ذلك الطفل الصغير على بوابة السينما وهو مرتد بزة الرجل العنكبوت مثيرا للدهشة، فعندها رأيت الطفل موشحا بعلم أمريكا بلونيه الأزرق والأحمر وحوله خيوط العنكبوت اللامعة وعقدها النجمية الفضية ، خلفه بوستر الفيلم Spider man 2 وطابور من الناس يقطعون تذكرة الدخول.. حينها وحينها فقط دقت ساعة اليقظة.

إن كان لنا أن نقف على أكثر الأفلام الحالية رواجا وأضخمها انتاجا فما من شك أن سلسلة أفلام The Hobbit ستتصدر القائمة فورا حيث جاوزت عائدات الجزء الأول من الفيلم المليار دولار، ليحتل المرتبة الرابعة في عائدات الأفلام من سنة 2012، وإذا فنحن أمام عمل ذي أثر إعلامي ضخم عالميا، وهو تجل للذروة التي يمكن أن تصل إليها السينما من حيث إمكانيات الإنتاج والإخراج، ومن حيث استخدام سياق سردي ملحمي فريد من نوعه هو رواية ‘جون تولكينز′ التي تحمل نفس الاسم والتي تعد أهم الأعمال الأدبية في القرن العشرين.
سنقف في هذا المقال على نقد نص الرواية بالأساس والسياق السردي الملحمي لقصة الهوبيت الذي يمثل رأس جبل الجليد لتاريخ كامل كتبه ‘تولكينز′ من وحي خياله، فنحن أمام إعادة سرد للتاريخ المعاصر بطريقة القصص الخيالية للأطفال، بما تتضمنه من شخصيات وأمم وأعراق وممالك أسطورية وخريطة أنشأها تولكينز لتكون مسرحا لملاحم أوردها في رواياته سماها خريطة ‘الأرض الوسطى ‘ Middle Earth، وسننظر لهذا العمل بعين السبر والتحليل لنتوصل إلى نتيجة أن القصة والفيلم من بعدها يحملان من الدلالات الخطيرة والموجهة بدقة وبذكاء ما لا يمكن أن يستهان به وما لا يمكن أن يصرف عنه نظر المشاهد، رسالة وجهها ‘تولكينز′ من سنة 1937م مباشرة لأذهان جيل صاعد عاش معها ومع رواياته التي تبعتها على أنها قصص ممتعة للأطفال بينما كان هو في الحقيقة يقدم روايته الخاصة للتاريخ الحقيقي القديم والمعاصر بكل ما في هذه الرواية من تحيزات وآراء، طريقة ذكية لتنشئة جيل جديد وإعادة بعث الملحمة التي بدأت من التوراة وانتهت بإعلان قيام دولة إسرائيل.
في تاريخ ‘الأرض الوسطى’ المفترض تمثل رواية The hobbit المرحلة الزمنية التي مهدت للملحمة الكبرى التي تعرف ‘بمعركة الجيوش الخمسة’ The Battle Of Five Armies، ومحورها الأساس هو رحلة الأقزام Dwarves لاسترداد أرضهم المسلوبة التي انتزعها منهم تنين شرير يدعى Smaug واعتزل فيها تحت جبل من ذهب يعرف هذا الجبل باسم The lonely Mountain وبالنظر إلى الخريطة التي صممها ‘تولكينز′ فسنلاحظ أن هذا الجبل الوحيد الذي كان أرض الأقزام التي أخرجوا منها عنوة ففقدوا ثروتهم هو المقابل الرمزي لجبل موجود على الحقيقة، فستجد إلى الجنوب منه بحيرة كبيرة ما أشبهها ببحيرة طبرية وما أشبه النهر أسفلها بنهر الأردن، وبالتالي فلن أتردد بالقول إن الجبل هو جبل الجليل، وأن الأقزام عند ‘تولكينز′ هم اليهود!، يزيد هذه الفرضية وضوحا وقوة ان عدد الأقزام في الرواية إثنا عشر يرأسهم ملك هو وريث عرش المملكة التي سلبت من أبيه، ولعل الإثني عشر قزما هم الرمز المطابق لسلالات اليهود الاثنتي عشرة من عقب يعقوب كما في التوراة، الذين استوطنوا الأرض المقدسة قبيل السبي البابلي. هذا يقودنا كما قاد كثيرا من النقاد إلى محاولة المقابلة بين التاريخ الحقيقي وتاريخ ‘الأرض الوسطى’، وإذا فسنفهم منهج ‘تولكينز′ وفكرته ورسالته، إنها إعادة سرد الأحداث التاريخية الكبرى بطريقة رمزية قصصية ممتعة مليئة بالمغامرة، وبهذا فهو يكسر الملالة المصاحبة للسرد التاريخي، لتتحول إلى قصص ممتعة شيقة تحمل ما شاء واضعها من دلالات. وهو بهذا يقدم الأحداث التي عاصرها من الحرب العالمية الأولى وحتى الحرب العالمية الثانية ويجعل قطب الرحى فيها سعي اليهود لاسترداد أرضهم المسلوبة. فقد كان ‘تولكينز′ متعاطفا إلى أبعد حد مع اليهود وما يحصل لهم في ألمانيا النازية، وكان هو ملازما في الجيش البريطاني مطلعا على الدمار والخراب الذي خلفته الحرب كارها غطرسة الألمان.
إذا من السهل بعد هذه المقدمة إسقاط الرواية على التاريخ المعاصر لرؤية ما تحمله من أفكار، فالساحر ‘غاندالف’ له محله الذي يمكن أن يشابه المنظمة الصهيونية العالمية التي أخذت على عاتقها دعم جهود اليهود للهجرة إلى أرضهم، فسنجد ‘غاندالف’ ينقذهم من المصاعب في أثناء الرحلة أكثر من مرة، ويستدعي أصدقاءه ‘النسور’ (شعار الولايات المتحدة الأمريكية) لينتشلوا الأقزام من بين براثن ال Goblins (هم الألمان هنا) الذين يمتطون حلفائهم الذئاب من أمة الـ Warg ( هؤلاء هم العثمانيون، لأن شعار الطورانية التركية هو الذئب الأغبر)، وسنجد الأقزام ومعهم الهوبيت يستخدمون أسلحة الجان Elves حلفاؤهم الذين يرتابون من تحركاتهم كارتياب روسيا تماما، وإذا فالقصة مليئة بالاستعارات والترميزات، والأمم الأسطورية هذه ما هي إلا رموز الأمم القائمة فعلا.
هذه التحليل استنادا إلى سياق الفيلم والرواية يعكسه تأثر الكاتب بأحداث عصره كما قلنا ويعكس أيضا تطلعاته لمستقبل هذه الملاحم، وخوفه من الشر الدفين والأهوال القادمة وهو كان يستشرف بهذا كارثة محققة يصطرع فيها الخير والشر، كل هذا عن طريق روايته المميزة لأحداث الحرب العالمية الثانية بمقابل رمزي هو ‘حرب الجيوش الخمسة’ في هذه الحرب التي جسدتها روايته ‘The Lord of The Rings’، تتصارع خمسة جيوش كبرى تصطف إلى حلفين هما المطابق للاصطفاف الدولي أثناء الحرب العالمية الأولى، فأنت أثناء مشاهدة هذه الحرب تشاهد في الحقيقة الحرب العالمية الأولى التي ينتصر فيها حلف الأقزام Dworves والجان Elves والنسور والبشر Men.
ربما يكون هذا التحليل محل نقاش يصح فيه الأخذ والرد، لكن الذي نحن متأكدون منه أننا أمام نص أدبي لا يمكن أن يكون خلوا من فكرة موجهة ودلالات وإسقاطات شأنه شأن أي نص يمكن أن يتناول بالنقد والتحليل، والذي نريد أن نلفت إليه أن سياق عرض الفيلم سياق ذو صلة لم تنقطع إلى الآن، وهو يمثل عقدة التاريخ الحديث هناك عند الجبل الوحيد المطل على البحيرة.
وإذا فهذه قصة معيشة نعرف نهايتها بل نعيش نهايتها يوما بيوم، لكننا سننتظر الجزء الثالث لنرى بأي صورة سيتم سرد هذه الرواية، ولنرى طوابير المتفرجين صغارا وكبارا يشاهدون تاريخا يسرد أمامهم كقصة ممتعة يروونها لأطفالهم قبل النوم.
_______
*القدس العربي

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *