معرض القاهرة للكتاب… عودة طه حسين


سيد محمود

 خلافاً للدورات السابقة التي واجه فيها «معرض القاهرة للكتاب» أحكاماً قاطعة بالفشل ومشكلات تنظيمية عدة، ها هي الدورة 45 التي انطلقت على أرض المعارض في «مدينة نصر» تواجه حالة من التعاطف العام لأنّها تتزامن مع ظرف سياسي مضطرب انعكس على حجم الإقبال الجماهيري. المعرض الذي يرفع هذا العام شعار «الثقافة والهوية»، مكرّماً رائد التنوير طه حسين، شهدت أيامه الأولى تدفقاً جماهيرياً بعد افتتاحه رسمياً الأربعاء الماضي، إلا أنّه عانى منذ اليوم الثالث من شائعات حاصرته وتحدثت عن إلغاء الدورة لأسباب أمنية بعد سلسلة انفجارات شهدتها القاهرة يوم الجمعة الماضي.

على مشارف أسبوعه الثاني، لم يتعاف المعرض الذي يستمر حتى 6 شباط (فبراير) من الشائعات بصورة كاملة، ولم يجد الناشرون الجمهور الذي كان يميزه في السابق كثاني أكبر معارض الكتب في العالم من حيث نسبة الإقبال. لكنّ الناشرين العرب أبدوا تفهّماً للوضع، على أمل تحسن البيع في الأيام المقبلة بحسب الناشر اللبناني حسن ياغي.
رئيس «الهيئة المصرية العامة للكتاب» المنظِّمة للمعرض أحمد مجاهد أكد لـ«الأخبار» وجود إيجابيات كثيرة تحققت في الدورة كتحسن الخدمات التنظيمية، مشدداً على أنّ الجهة المنظمة أصرت على إقامة المعرض في موعده كرسالة سياسية وحضارية في ظرف سياسي مضطرب. وأشار إلى تعدد الأنشطة الثقافية والندوات باعتبارها من آليات الجذب الجماهيري ومساراً لتتبع الإنتاج الثقافي المصري وإبراز صور التفاعل مع الثقافة العربية. هكذا، خصّص المعرض ندوة لتأبين الناقد اللبناني الراحل محمد دكروب تحدث فيها كل من الكتّاب: اللبناني كريم مروة والسوداني حيدر ابراهيم والمصري حلمي شعراوي، بالإضافة الى اختيار الكويت ضيفة شرف. اختيار لم ينعكس على مساحة الجناح الكويتي ولا على نسب تمثيل أدباء الكويت البارزين في البرنامج. عزا البعض هذا الغياب إلى وزارة الإعلام الكويتية التي غيّبت أسماء بارزة في الأدب الكويتي؛ على رأسها الشاب سعود السنعوسي حائز جائزة «بوكر» العام الماضي. وعانى الجناح الكويتي من فقر تنظيمي في مستوى الإعداد والكتب المعروضة، رغم مشاركة الكاتبين البارزين طالب الرفاعي واسماعيل فهد اسماعيل في إحدى الندوات الرئيسية للمعرض.
ورغم أنّ البرنامج الثقافي اختار طه حسين شخصية الدورة في مواكبة للذكرى 41 على غياب «العميد» (1889 ـــ 1973)، إلا أنّ المناسبة بدت سرية باستثناء مؤلفاته التي أعادت وزارة الثقافة نشر بعضها بأسعار مخفوضة. ظلت الندوات التي دارت حول فكر «عميد الأدب العربي» عاجزة عن تناول أعماله بصورة نقدية؛ مثلها في ذلك ندوات المحور الفكري التي حملت عنوان «الثقافة والهوية». باتت الأخيرة أقرب الى برنامج «توك شو» كبير يعيد إنتاج مقولات برامج الفضائيات والإعلام التعبوي الحاشد الذي اختزل مشكلة مصر في العام الذي حكم فيه الإخوان. كذلك، تم استغلال منصات المعرض من قبل بعض المشاركين لتزكية فرص المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة مصر، وغاب عن ندوات المعرض طابعها السجالي، ففقدت عناصر جاذبيتها.
على صعيد المبيعات، صارت قوائم جائزة «بوكر» العربية البوصلة التي تحكم خيارات روّاد المعرض، إذ تحرص الدور على إبراز عناوينها المشاركة في التنافس على الجائزة، كما تحرص على تنظيم حفلات توقيع للمؤلفين المتنافسين. تقليد تكرّس في العامين الأخيرين داخل المعرض الذي يقدّم أيضاً واجهة لعرض المؤشر البياني لسوق النشر العربي. وللعام الثالث على التوالي، غابت «دار الآداب» اللبنانية بعد أزمة سرقة كتبها خلال «ثورة يناير 2011» وعدم تمكنها من الحصول على تعويض ملائم. لذلك، انحصرت المنافسة في الكتاب الأدبي بين الدور العربية الرئيسية كـ«الجمل»، و«المدى» و«الساقي» و«التنوير» التي تأكد حضورها في مصر عبر فرعها القاهري الذي بدأ باستقطاب المؤلفين المصريين الشباب.
على صعيد المنافسة بين الدور المصرية، استعادت «ميريت» عافيتها بإعادة تقديم عناوين جديدة لمؤلفين شباب، وأكدت «دار العين» حضورها مقابل تراجع «دار الشروق» و«مكتبة مدبولي»، وتوسع لافت لـ«الدار المصرية اللبنانية» في نشر الأعمال الأدبية، وتلك ذات الصلة بحالة الاستقطاب السياسي. الملاحظة ذاتها تنطبق على «دار نهضة مصر» كما أثبتت دور جديدة حضورها، أبرزها «العربي» التي باشرت نشر ترجمة الأعمال الكاملة لفرانز كافكا وبدأت بثلاثة أجزاء كدفعة أولى أنجزها الراحل يسري خميس وخالد البلتاجي، الى جانب التوسع في نشر ترجمات مؤلفين من شرق أوروبا وهولندا وأغلبهم من الأسماء المجهولة عربياً. كذلك، برزت «الكتب خان» بعناوينها وأغلفتها المميزة ورهانها على الأدب الجديد ممثلاً بالزميل محمد خير، وياسر عبد اللطيف، ووائل عشري، وإيمان عبد الرحيم ومحمد ربيع، مثلها في ذلك «دار روافد» التي كثفت رهانها على المبدعين الشباب والأعمال ذات الصلة بالواقع الاجتماعي. اللافت هذا العام كان التراجع الواضح في مبيعات الكتاب الديني والسلفي، ما يعدّ انعكاساً واضحاً لتطورات المشهد السياسي في مصر. 

تزوير مفضوح

بدا واضحاً أنّ صيغة التحالف الذي جمع مثقفي مصر الذين شاركوا في اعتصام وزارة الثقافة لإقالة الوزير المحسوب على الإخوان علاء عبد العزيز وبين المسؤولين في وزارة الثقافة فرضت نفسها على قوائم المشاركين في أغلب ندوات معرض القاهرة، فغابت الأصوات التي انتقدت الوضع القائم في مصر الآن. على الصعيد المهني، شكا أغلب الناشرين من تفشي ظاهرة بيع الكتب المزورة داخل المعرض، وخصوصاً في جناح «سور الأزبكية». ملاحظة رد عليها أحمد مجاهد، معتبراً أنّ لدى الجهة المنظمة صلاحيات إلغاء أي جناح يبيع كتباً مزورة، شرط تلقي بلاغ عن طريق اتحاد الناشرين، علماً بأنّ الأخير زاد نسبة تعاونه مع الهيئة في تنظيم المعرض، فتجلى ذلك في تخصيص برنامج خاص بالنشر المهني.
– الأخبار

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *