*ترجمة: عدوية الهلالي
اختار المخرج الياباني هيروكازو كوريدا موضوع تبادل الأطفال مادة لفيلمه الجديد الذي يحفل بالعاطفة الرقيقة ..تبدأ الأحداث مع العائلة نونوميا رويوتا التي يعمل الزوج فيها مهندسا معماريا ويعيش مع زوجته ميدوري حياة ميسورة ..يقوم الزوج بتسجيل ولده كييتا البالغ من العمر ست سنوات في مدرسة ابتدائية باذخة ، ويتسم كييتا بشخصية وديعة وتربية حسنة ،فهو لا يحفل بالقتال كما كان يريد له والده ..فجأة ، ينهار هذا الهيكل الأسري المنتظم حين يظهر أن كييتا ليس الابن الحقيقي لهذه العائلة وإنما تم استبداله في صغره بطفل آخر ، وأن ابنهم الحقيقي يحمل اسم رايوسي ويعيش في كنف عائلة كبيرة العدد في ضاحية فقيرة ..هنا يكتشف الأب أن ابنه عاش مع عائلة متواضعة لكنه استمتع بالحب الكبير بين أفرادها ولم يعرف المظاهر الاجتماعية بل ذاق المتع المشتركة بين أفراد العائلة لدرجة انه لا يشعر بالوقت معهم ..
لتصحيح الخطأ الذي حصل سابقا ، يتم استبدال الطفلين من جديد في عطل نهاية الأسبوع فقط في بادئ الأمر فتحصل لهما حالة اغتراب واضطراب عاطفي ويواصل الأهل الضغط عليهما بهدف الوصول إلى حالة التدجين والتعود ..وسط هذه المشاعر الغريبة ، لا يعمل المخرج كوريدا على فرض الحالات الدرامية المؤثرة بل يصنع منها مناظر طبيعية أحيانا حين يختطف صورا تعكس الأوساط الاجتماعية لكلا الطفلين وأساليب الحياة فيها والمشاعر القلقة لمن يحيط بهما من البالغين وكلمة ( لماذا ) التي يرددها الأطفال عشرات المرات بحثا عن إجابات مقنعة …وينجح كوريدا في استخدام ممثلين من الأطفال وتوجيههما ببراعة ليقدم بمساعدتهما فيلما مؤثرا ورقيقا يدفع المشاهد إلى التأمل … ويعالج كوريدا في فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان ( الولد على سر أبيه ) قضية النسب ورابطة الدم ومقارنتها بالعلاقات التي يصنعها الزمن ..وكان كوريدا ( 51 عاما ) قد اختار التخصص في مجال السينما بعد مشاهدته أفلام المخرج فيلليني في سن التاسعة عشرة ، ومارس الإخراج وحقق فيمله ( مازال يمشي ) في عام 2009 نجاحا جيدا ..
صحيفة الفيغارو الفرنسية التقت المخرج الياباني كوريدا ليتحدث عن فيمله الجديد وعن علاقته بالأطفال وبالسينما ..ولدى سؤاله عن رأيه بفكرة الفيلم قال كوريدا انه أراد التعبير عما يربط بين الأب وابنه بعد مراقبته لابنته التي تبلغ ست سنوات وهي تكبر أمامه وتدفعه إلى التساؤل عن نوع الرابطة بينهما ..هل هي الدم أم مرور الزمن ؟..وعما تفكر فيه الطفلة تجاهه كأب وماتشعر به وما جعلها ابنة له ، لذا يتخذ كوريدا من فكرة تبادل الأطفال ذريعة ليسرد قصته مع الأطفال ..
وتسأل الفيغارو كوريدا عن الوالدين اللذين يقدمهما الفيلم وهما مهندس وبائع خردوات وأيهما يفضل أن يكون له أبا، فيقول إنه ينجذب عاطفيا نحو بائع الخردوات لكنه لسوء الحظ كان أقرب من المهندس في طبيعة معيشته ، رغم أن والده المتوفى لم يكن أيا منهما فقد كان غائبا في اغلب الوقت ولم يقل له يوما ( افعل هذا أو لا تفعل ذاك ) ..ويؤكد كوريدا انه تذكر علاقته بوالده حين ولدت ابنته ،لذا فهو لا يتحدث في الفيلم عن طفل ووالده فقط بل عن والد الطفل ووالديه أيضا ..
وعن سؤاله إن كانت العوائل التي قدمها في الفيلم تصور المجتمع الياباني قال كوريدا إنه لم يفكر في تقديم أشكال مختلفة للعوائل اليابانية بل انطلق من فكرة وجود أب مهندس وآخر فقير واضطر بالتالي إلى تصوير ما يرافق حياة هذين النموذجين من ظروف اجتماعية ومشاعر فردية ..
ويعترف كوريدا للصحيفة بأن الفيلم أثر كثيرا على دوره كأب ،إذ عمل على تغييره قليلا ،فالمهندس يمكن لأي احد أن يقوم بعمله أما الأب فلا يمكن استبداله ،لذا ينبغي عليه القيام بوظيفته بشكل كامل ..
ويختلف كوريدا عن المخرجين الآخرين في انه لا يؤمن بتحويل موقع التصوير إلى ساحة حرب ..إنه لا يغضب أبدا ولا يحب أن يرى العاملين يتراكضون حوله أو يردد كلمة (آكشن ) كثيرا ..إنه ينظر فقط إلى الممثلين ويحاورهم ، وفي فيلمه الأخير حيث يوجد أطفال كانت المشاهد الأكثر صعوبة هي تلك التي يتبادل فيها النظر مع البالغين ليبلغهم انه يصور دون أن يشعر الأطفال بذلك ، ذلك انه اعتمد كثيرا على ردود أفعالهم ..
ويقول كوريدا انه يراجع مساءً كل ماصادفه من التقاطات في النهار فيلتقط منها مايمكنه الاحتفاظ به ..ويصف كوريدا الإخراج بأنه ممتع للغاية فهو يتساءل يوميا عما سوف يكتشفه خلال يومه ثم يعمل على جمع تلك الاكتشافات وكأنه يبني منزلا .ولا ىيفوته أن يتناقش مع الممثلين للاستفادة من اقتراحاتهم ولكي يكون منزله –أي فيلمه – قائماً على خطة رصينة ..