هافانية في باريس: بورتريه للكاتبة الكوبية سوي بالديس


وليد سليمان*
( ثقافات )

“لقد رحلت عن بلدي في 22 جانفي 1995، بعد مرور أشهر على أزمة البالسيروس- وهم أولئك الكوبيون الذين فروا من البلاد على متن زوارق مرتجلة”. هذا ما قالته الشاعرة والروائية الكوبية سوي بالديس Zoé Valdés في حوار أجري معها، قبل أن تضيف:”كان زوجي معارضا وكنت أعمل في مجلة سينمائية تخضع إلى رقابة مشددة من قبل النظام. لم أكن حرة في كتابة ما أريد. في تلك الفترة، كانت روايتي “العدم اليومي” التي منعتها الرقابة، بدعوى أنها تهدد الأمن القومي، قد صدرت في فرنسا. وهكذا قررت البقاء في باريس”.

من هافانا إلى باريس
ولدت سوي بالديس في العاصمة الكوبية هافانا في 2 مايو 1959 – أي سنة وصول فيدال كاسترو إلى الحكم-، ودرست في “المعهد العالي البيداغوجي: إنريكي خوسيه فارونا”، إلا أنها انقطعت عن الدراسة قبل التخرج وواصلت دراستها الجامعية في كلية اللغات بهافانا.
بين سنتي 1983 و1988 عملت ضمن البعثة الكوبية لليونيسكو والمكتب الثقافي لكوبا في باريس. وعند عودتها إلى بلدها سنة 1990، عينت مديرة مساعدة لمجلة “السينما الكوبية” (Cine Cubano) واستمرت في هذا المنصب إلى سنة 1995. إلا أنها تعرضت إلى عديد المضيقات من قبل نظام كاسترو، خاصة بعد صدور روايتها “العدم اليومي” La nada cotidiana التي وجهت من خلالها نقدا قاسيا للثورة الكوبية ونظام بلدها القمعي: “كان رجال الشرطة يزورونني بانتظام في بيتي. وكانت الحكومة تضغط علي لكي أدلي بمعلومات حول الفنانين الذين كنت أتعامل معهم أو حول الناس المقربين مني. ولا أدري كم مرة منعوني من نشر مقال بتعلة أنه يتناول العالم الرأسمالي. كان علي أن أناضل بشكل متواصل للدفاع عن وجهات نظري”.
بسبب هذه المضايقات المتكررة، اغتنمت سوي بالديس فرصة زيارتها لباريس، ضمن تظاهرة ثقافية حول الشاعر والسياسي خوسيه مارتي، لتبقى هناك صحبة زوجها المخرج السينمائي “ريكاردو بيغا” وابنتهما، ولتبدأ بذلك سنوات طويلة من المنفى، بعد أن صارت شخصا غير مرغوب فيه في بلدها.

مواهب متعددة
كانت بدايات سوي بالديس من خلال الشعر، حيث نشرت ديوانها الأول “عربة للمدخنين” سنة 1986، ثم نشرت لها عديد الأعمال الشعرية مثل: “أجوبة للعيش” (1986)، “قصائد هافانا” (1997)، “هافانية في باريس” (2005). وقد حصلت على عديد الجوائز التي نذكر من بينها: جائزة روكوي دالتون وخايمي سواريس كيمين للشعر (المكسيك/1982) و جائزة كارلوس أورتيث (اسبانيا/1985) ، كما وصل ديوانها “عربة للمدخنين إلى نهائيات جائزة “كاسا دي لاس أميريكاس” سنة 1988.

أما في السرد، فقد صدرت لها عديد الأعمال الروائية والقصصية التي نذكر من بينها “ابنة السفير” (1995) ، “كوليرا الملائكة” (1996)، “أعطيتك الحياة بأسرها” (1996)، “مقهى الحنين” (1997)، “المتاجرون بالجمال” (1998)، “بشرة أبي” (2000)، “شمس رخيصة” (2000)، “أبدية اللحظة” (2004) ، “أسرار هافانا” (2004)، الرقص مع الحياة” (2006). وكانت روايتها الأولى “دم أزرق” (1994) قد حققت نجاحا كبيرا عند ترجمتها إلى الفرنسية، مما جلب إليها الانتباه وفتح لها أبواب الشهرة العالمية حيث ترجمت أعمالها إلى الآن إلى أكثر من 20 لغة. كما أنها حازت على عديد الجوائز العالمية مثل: جائزة “ليبيراتور برايس” (ألمانيا/1997)، جائزة فرناندو لارا (2003)، وجائزة مدينة توريبييخا للرواية (2004)…

وقد نشطت سوي بالديس أيضا في مجال السينما حيث كتبت عديد السيناريوهات التي نذكر من بينها “حيوات متوازية”، وهو شريط أخرجه باستور بيغا ومكنها من الحصول على جائزة “كورال” لأفضل سيناريو (1990) ضمن المهرجان الدولي لسينما أمريكا اللاتينية الجديدة. كما أخرجت شريطا سينمائيا قصيرا بعنوان “مداعبات أوشون” ضمن سلسلة “الإروسية كما يراها…” والتي تم انتاجها سنة 1991 في فرنسا. وقد تم اختيار بالديس سنة 1998 عضوا في لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي.
إن سوي بالديس التي تعيش اليوم منفاها في باريس، تعتبر واحدة من أهم الكاتبات الكوبيات مع كارلا سواريس التي اختارت من ناحيتها أن تعيش في لشبونة، وهذا قدر أغلب الكتاب الكوبيين المنفيين الذين تجمعهم الكتابة وتفرقهم المنافي.
_____
* كاتب ومترجم من تونس

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *