هانم الشربيني *
( ثقافات )
25 يناير2011 لم يكن يوما عاديا فى حياة المصريين.. ليس كمثله يوم، يوم أعلن للجميع أنه جاء ليقلب الموازيين، ليعيد الحقوق لأصحابها، شمسه كانت ساطعة، وتيرة الأحداث بعده كانت متسارعة للغاية، الأمل وإنكسار الخوف كانت العلامة المميزة لصانعيه، ولأول مرة نرى الرئيس مبارك يخاطب الشعب ويطلب الصفح ،أخيرا أدرك وحاشيته أننا أحياء وفى حاجة لمن يشعر بنا، في حاجة لعدالة تشملنا جميعا.
ما أزال أتذكر ذلك اليوم كأنه كان أمس، أعتقد أنه يشبه حلم طويل فى منام لم ننته بعد من تفاصيله، مازالت كلمة النهاية فيه لم تكتب بعد، ما زلنا نرفع شعارته عيش وحرية وعدالة إجتماعية، كانت الثورة بالنسبة لجيلي الحلم الوحيد بعد أن تكسرت على أكتافنا أحلام كثيرة ، بعد أن كنا أصفارا ليس لها وجود ، بعد أن كانت أصوتنا محبوسة، بالفعل نحن أصحاب الحلم وسنظل ندافع عنه رافعين شعار الثورة مستمرة .
بعد الثورة ظهر في الإعلام المصري من يدعون أنهم يمثلون الثورة ، يملكون دكاكين للثورة باسمهم، وظهر لأول مرة فى الإعلام مصطلح جديد هو الناشط السياسي، واليوم إتضح أن لهؤلاء النشطاء بيزنس ثوري خاص، وبسبسهم تتهم الثورة الطاهرة بأنها مؤامرة من عملاء أمريكا فى الشرق الأوسط ، لكن الحقيقة التى لا تحمل لبثا أو شكا فيها أن هذه الثورة كانت حلما حقيقيا لجيل لم يجد مسكنا ليستره وعانى من مشكلات مزمنة كالبطالة والعنوسة، ببساطة لم نجد أى شئ يحمل رائحة الأمل وسكننا اليأس سنوات، وفى 25 يناير حان وقت القصاص ، نحن جيل لم ير رئيسا على الكرسي سوى مبارك ولم يستفد من قرارات عبد الناصر الثورية ، ولا طال عسل الإنفتاح الإقتصادي للسادات، لم نعرف سوى دفع النقود للتجار، وإكتوينا بنيران رجال الأعمال، وصار كل شئ يشترى حتى الشهادات الجامعية ،حتى كليات الطب والصيدلية معك فلوس تدفع ستدخل .
أنا واحدة من هذا الجيل الذى حلم يوما بالتفوق والنجاح للعمل بالصحافة ، فالتحقت بإحدى كليات القمة كلية الإعلام جامعة القاهرة ،ولكن بعد عملي الصحفي وجدت أن كل شئ تعبره الواسطة والمحسوبية، ووجدت تجار أغنام وجزارين يلتحقون كأعضاء بنقابة الصحفيين ، إذن ما فائدة التفوق والتعب فى بلد فيها كل شئ يباع ومن يملك يشتري ؟.
عشنا مرحلة إنتقالية بعد الثورة ملبدة بالغيوم ، تقع الجرائم ولا نعرف من الجاني ، صارت الجرائم معتادة والجاني مجهول ويطلق عليه مصطلح “الطرف الثالث” ، لمدة 3 سنوات كاملة صرنا نبحث عن الجاني، وفجأة وبدون مقدمات قفز المتأسلمون لصدارة المشهد السياسي.
جلس “مرسي “على الكرسى ، لأول مرة نرى رئيسا لا نفهم ما يقوله ، يهرتل بمعنى أصح ، يتكلم عن شئ وواقعنا شئ أخر ، كل خطبه إتهامات للقوى السياسية ولمؤسسات الدولة المختلفة، مرسي كان يتكلم بلسان جماعته ، صار وجها بلا روح ، ورئيسا بلا غطاء مؤسسي ، يتحدث عن ما لا يعرف، يلقى بالأزمات على الإعلام الذى يعطله ، نسى برنامجه الرئاسي وتنكر لمشروع “النهضة” ، وصارت النهضة طائرا فى السماء، معه نسى المصريون البهجة ،صرنا فى غابة لا يحكمها الأسد وإنما يحكمها قرداتى ،ومن الضحية فى كل هذه السنوات ؟،مواطن “مطحون “
هذا المواطن الذى لاتحكمه المصالح ، ولا تهمه ثرثرة النخب، كل ما يريده أن يجد قوت يومه، لا يبحث عن مصطلحات مثل الديمقراطية، ولكنه يهمه تطبيقها ليحصل على حقه الطبيعي فى العيش، هو فى النهاية لا تشغله التفاصيل وإنما مهتم بالنتائج وبتحسين مستوى حياته المتدني .
لا تعولوا كثيرا على حديث النخب، فالحقيقة أن البسطاء هم الذين عزلوا مرسي وجماعته، لأنه ثبت بالدليل القاطع أنه لايحلم معهم ولا من أجلهم ، وإتضح أنه رجل فضائي وصل لكرسي الرئاسة فى ظروف غامضة .
صار يتبقى على ذكرى الثورة أيام قليلة، نحن نريده يوم عيد لتذكر شهداء الثورة الأبرار، الذين قتلوا من أجل المبادئ، بينما تسعى النخب لإقتسام الكعكة، ولا يفكرون أبدا فى حمل مشاكل الشعب وحلها، نحن فى إنتظار رئيس، فلنذكره بأنه أمام مهمة ثقيلة، والقادر على حملها فليترشح، ومن يحلم فقط بالجلوس على الكرسي نذكره بكلمتين “الثورة مستمرة .
* إعلامية من مصر