حوار مع الكاتبة آزر نفيسي(2)


*ترجمة: لطفية الدليمي

* ذكرت في سياق حديثنا أن كتاب مذكراتك الثاني كان عملية كتابية شاقة . هل انطوت هذه العملية على فعل تطهيري مريح للنفس ؟ 

– كانت تلك تجربتي الأكثر إيلاما في الكتابة حتى إنني أخبرت ناشري قبل خمسة اشهر إنني ربما قد أتوقف عن الكتابة ونشر الكتاب . كتابة المذكرات تجعلك تواجه نفسك وتعيد اكتشافها . ومع ان التجربة كانت مؤلمة لي لكنني أراها في غاية الأهمية لمواجهة هواجسي ،فمن السهل ان تلوم غيرك على أخطاء ارتكبتها أنت , وبالنظر إلى إنني تربيت في كنف أم ذات سطوة طاغية فقد كان من السهولة لي أن ألقي اللوم دوما عليها في كل خطأ أرتكبه . كانت احدى تجاربي المؤلمة في مذكراتي مثلا عند الحديث عن زواجي الأول فرغم إنني تزوجت شابة جدا لكنني أصبحت بعدها مسؤولة تماما عن كل فعل أفعله وعرفت تماما كيف يمكن ان يكون خيارا سهلا وجاهزا أن لا يواجه المرء الصعوبات التي تعترض حياته . مثال آخر عن ألم الكتابة هو في الكتابة عن العار المرافق للزواج من غير حب والذي كتبت عنه كثيرا في كتبي اللاحقة . اكتشفت مع تطور عملية الكتابة كيف يمكن لنا ان نوضع في مواقف اجتماعية أو سياسية نكون فيها غير قادرين على التحكم بمسارات حياتنا ويسرني القول هو أننا بوسعنا إيجاد الوسائل المناسبة لمواجهة هذه المواقف باعتناق فعالية ما , وبالنسبة لي أرى في الكتابة هذا الميل القادر على جعلي أتحكم بمسار حياتي . 
* هل بوسعك القول إن والدك هو من أشعل جمرة حب الأدب ورواية القصص لديك ؟ 
– كان والدي راوي القصة الأول في حياتي وحياة أولادي وقد نشر مجاميع قصصية للأطفال أهداها إلى أطفال أخي وأطفالي معا . إن رواية القصة بالنسبة إلى والدي هي وسيلة لمخاطبة العالم بأكمله وكان يجعلني أشعر بأني ذكية ومكافئة له في كل مرة يروي لي فيها قصة وأنا صغيرة بسبب طريقته المميزة في القص والحكي : فقد كان يصمت أحيانا ثم يسألني سؤالا بعدها ليستثير خيالي ويجعلني أشارك في القص ،وهكذا أنظر أنا إلى قراءة الكتب على أساس أنها عملية تشاركية , والشيء ذاته أراه في التعليم بعد ان أصبحت مدرسة ،فالتعليم عملية ممتعة بعكس الكتابة التي أراها عملية شاقة . يحصل دوما ان أكون مستنفدة القوى من الكتابة ثم ينتهي كل التعب والإرهاق في اللحظة التي أدخل فيها لتدريس صفي الدراسي إذ أكتشف فيه دوما شيئا ما جديدا ولطالما كان التعليم واحدا من أكثر التجارب المريحة لروحي .
* صفي لنا يوما نموذجيا تقضينه في الكتابة . هل ثمة لديك من عادات كتابية غير مطروقة ؟ 
– لا أعرف إن كانت عاداتي الكتابية غير مطروقة لكنني واثقة أنها مستنزفة لقواي بشدة . لا استطيع ان اكتب في محل عملي وعلي دوما ان اهيئ لنفسي ركنا خاصا في المنزل حيث يمكنني ان أعمل وقد اخترت لي واحدا من الأركان في المنزل حيث أجلس بقرب نافذة تطل على النهر . يصاب زوجي أحيانا بالضجر من أكوام الكتب والملاحظات التي أنثرها حيث اكتب في غرفة المعيشة فتستحيل الغرفة فوضى مطبقة . عندما أنغمس في العمل لا أبقى في العادة في المنزل فستصادفني حتما الكثير من المعوقات والانشغالات المنزلية المعتادة ،لذا أحزم أغراضي ودفاتر ملاحظاتي مع اللابتوب وأنطلق إلى أماكن فيها الكثير من البشر فتراني مثلا أبحث عن المتاحف وبخاصة متحف Phillips Collection في واشنطن العاصمة الذي تتوفر فيه كافيه رائعة اعتدت الذهاب إليها وقضاء ساعات أكتب فيها ثم أمتع نظري بمشاهدة اللوحات المفضلة لي في المتحف ، أفعل الشيء ذاته مع أماكن أخرى مثل الغاليري الوطني ولكن اللافت للنظر في واشنطن العاصمة انك يمكن ان تمارس كل هذه الفعاليات مجانا باستثناء متحف فيليبس . أعتقد إنني كاتبة بَصَرية وأشعر بحساسية شديدة تجاه الصور . 
* أية كتب توصين بقراءتها للقارئ الغربي المهتم بالثقافة الإيرانية ؟ 
– توجد العديد من الكتب المبهرة التي ترجمت من الفارسية ولم تلق الاهتمام الذي أبتغيه لها في العالم الغربي . عندما يقرأ الناس ويتواصلون مع بعضهم يدركون كم لديهم من القيم والاهتمامات المشتركة . في ما يخص سؤالك عن الكتب أشير إلى اثنين من الكلاسيكيات الفارسية التي ترجمها ديك ديفيس Dick Davis ونحن مدينون له بالكثير كإيرانيين وكعالم ناطق بالإنكليزية , و ديفيس هو أصلا شاعر إنكليزي يدرس في جامعة أوهايو الأمريكية وقد ترجم الملحمة الفارسية ( الشاهنامة : كتاب الملوك ) ،الذي يعود تاريخ تدوينه لثلاثة آلاف سنة خلت وجمع فيه كل التاريخ والميثولوجيا الإيرانية حتى الغزو العربي في القرن الحادي عشر. والشاهنامة كتاب جميل للغاية بحسيته وانفتاحه وهو ما يعاكس النظرة السائدة عن إيران بكونها متطرفة وطهرانية Puritanical ( بالمعنى السلبي للمفردة ) وجافة بلا حب للمتعة ولا حب للحب ذاته ،أحدث كتب ديفيس التي وقعت في عشقها كثيرا هي قصة رومانسية كتبت في القرن الحادي عشر تدعى ( Vis and Ranin) والتي هي قصة حب شبيهة بـ ( روميو وجوليت ) وينظر لهذه القطعة الرومانتيكية بأنها أثرت في الرومانسيات الأوروبية القروسطية مثلما فعلت ( تريستان و ايزولده ) , وتبدو المرأة في القصة الإيرانية قوية للغاية وباعثة على الإعجاب ،ولهذا إذا أردت ان يقدم الأدب الإيراني إلى العالم فستكون هذه القصة الخيار الأفضل للانطلاق . 
* لمن تقرأين من الكتّاب هذه الأيام ؟ 
– أقرأ كتاب ( المكتبة في الليل The Library at Night) لأحد كتاّبي المفضلين ( ألبيرتو مانغويل ) الذي يكتب عن القراءة طوال الوقت وهو ذاته الذي كتب الكتاب الأكثر مبيعا ( تاريخ القراءة ) وكذلك كتابه المهم الآخر ( مدينة الكلمات ) الذي يطرح فيه سؤالا عظيم الأهمية : هل يمكن للقراءة أن تغير العالم ؟ وهو السؤال ذاته الذي أفكر في الكتابة عنه لاحقاً.
_______
*(المدى)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *