مواجهة بين روائي وقاص




*عيد عبدالحليم
القصة القصيرة أحد الأشكال الإبداعية التي شهدت تألقاً وازدهاراً في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لكنها تراجعت خلال العقدين الأخيرين بعد انتشار مقولة “زمن الرواية” واستحداث جوائز خاصة لها، ما أدى إلى انصراف عدد كبير من كتاب القصة إليها .
ومع حصول “أليس مونرو” الكاتبة الكندية التي لا تكتب إلا القصة القصيرة على جائزة نوبل هذا العام، تجدد السؤال حول ما إذا كان ذلك سيسهم في عودة القصة القصيرة إلى زمن ازدهارها مرة أخرى؟
هنا مواجهة ما بين الروائي فؤاد قنديل والقاص شريف عبد المجيد .
فؤاد قنديل: القصة طفل مشرد يبحث عن أب

يرى الروائي فؤاد قنديل الحاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب أن القصة القصيرة لن تشهد ازدهاراً في الفترة المقبلة بسبب صعود الرواية إلى قمة المشهد الثقافي العربي، وكذلك عدم الاهتمام النقدي بها، بل وعدم اهتمام المبدعين من الأجيال المختلفة بكتابتها .
يرى البعض أن الفترة المقبلة ستشهد ازدهاراً لفن القصة القصيرة هل أنت مع هذا الرأي؟
– لن يحدث أي شيء، لأن الاهتمام البالغ بالرواية كاد يكتسح فن القصة القصيرة، الاهتمام بالرواية زاد على الحد، تآمرت فيه كل الأطراف من النقاد إلى الناشرين وكذلك لجان الجوائز والصحف والقراء .
وبالتالي أدى هذا إلى أن يفضل الكتاب الاتجاه نحو الرواية التي تحظى باهتمام الجميع بدءاً من الناشرين، الذين يتقدم إليهم الكتاب بالمجموعات القصصية فيطلبون منهم روايات، كذلك النقاد يسألون السؤال نفسه . ومن هنا كما قلت منذ سنوات عدة لا بد أن يهتم كتاب القصة أنفسهم بها ويستمروا على ولائهم لها ولا يهجرونها إلى الرواية تماما .
لكن معاملة القصة على أنها بنت البطة السوداء هي دعوة إلى الكتاب أن يعودوا إلى معشوقتهم الأولى . . لماذا التخلي عن الحبيب الأول؟
– المسألة ليست مرتبطة بجائزة عابرة حصل عليها كاتب، وفوز “مونرو” لن يكون دافعاً قوياً للعودة إلى القصة القصيرة، لأن هذا معناه نظرة مادية بحتة، وهذا حب غير عذري، لأنه حب وراء المجد والمادة، نحن نكتب الفن من أجله شخصياً، فضلاً عن أنه تعبير عن الذات وتنفيس عن المكنون، المسألة ليست أغراضاً .
ما الأسباب التي أدت إلى تراجع القصة؟
– هناك بالتأكيد أسباب لانتشار الرواية، لكن القصة القصيرة لم تستنفد أغراضها، لأنها قادرة على استيعاب كافة المواقف المركزة، محدودة المجال من حيث الشخصيات ومن حيث الزمان واللقطة هناك أسباب كثيرة تستدعي وجودها، ويجب أن تحظى بالنشر، أما الرواية فليس لها صورة إلا في كتاب .
القصة القصيرة هي الأجدر بالاهتمام، لكن مجموعة العوامل المشجعة للرواية صدمت الكتاب ونزعت الرحمة من قلوبهم للحب الأول في الكتابة وهو القصة .
وماذا عن صدمة النقد؟
– النقد هو المسؤول عن هذا، هو صاحب الرأي الأول والأخير في تشخيص المرض ووصف العلاج وبسط الخريطة والتعديل فيها، إذا كان نقداً جاداً يتحمل مسؤوليته التاريخية، لأنه مثل ميزان القضاء . أنت لا تستطيع أن تعبر إلى المجد الأدبي إلا من خلال بوابة النقاد، ولذلك سمح بعض النقاد لأنصاف المواهب بالعبور إلى صدارة المشهد الأدبي .
لكن لو تحرك النقاد في اتجاه القصة والمسرحيات المكتوبة فسوف يستدرجون الجماهير للحصول على لذة قرائية من القراء .
هناك نقاد متخصصون في أوروبا بروايات الأطفال، هناك قصص كثيرة رفيعة المستوى، كتابة النقاد عنها تحقق لها جاذبية لا تقل عن الروايات الكبرى “أليس في بلاد العجائب، والأمير الصغير، والأقزام السبعة”، أهم من روايات كثيرة لكن أين النقد!
وهل للعملية التسويقية دور في التراجع؟
– العملية التسويقية تلعب دوراً أساسياً، لكن مسألة الفرز مطلوبة في كل العصور، البداية من النقاد .
ما يهتم به الناشرون يأتي ثانياً بعد النقد الذي يدخل الأعمال الأدبية ساحة التاريخ الأدبي، ترويج الناشرين يمكن أن يبيع جيداً، وهذا يذكرنا ب”البيست سيللر”، وهو شعار ترويجي للأكثر مبيعاً، هو في العادة يخص أعمالاً أدبية أقل فنية . ويسهل على القراء اقتفاء أثر هذا الترويح، هذا ليس دليلاً على عظمة هذه الأعمال .

شريف عبدالمجيد: كتابة الرواية أصبحت موضة
القاص شريف عبد المجيد، وهو أحد الساردين القلائل من الجيل الجديد، الذين لم يكتبوا إلا القصة القصيرة التي حصل من خلالها على جوائز عدة منها “جائزة ساويرس” عن مجموعته “خدمات ما بعد البيع”، وله عدة أعمال أخرى مثل “فرق توقيت، وجريمة كاملة”، يؤكد أن القصة القصيرة تشهد ازدهاراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة وهي مرشحة بقوة لصدارة المشهد الثقافي في الفترة المقبلة .
هل تعتقد أن حصول “مونرو” على جائزة نوبل سيساعد على ازدهار القصة القصيرة؟
– في مصر قبل حصولها على الجائزة وجدت مجموعة من الشباب أصدروا مجموعات قصصية، وهذا يعني حالة من التحقق والتجريب يكون أولاً في القصة القصيرة، ثم تأتي بعد ذلك كتابة الرواية “مونرو” كان منافسوها روائيين كباراً منهم “إمبرتو إيكو” في الجائزة هذا العام، فمعنى أن تفوز القصة القصيرة على مجموعة من الروائيين أصحاب البنى المعمارية المهمة فهذا دليل على أن فن القصة القصيرة مازال موجوداً بقوة .
ما قيل حول “زمن الرواية” هل سيتغير في الفترة المقبلة؟
– كانت هناك ندوة حول “القصة القصيرة” توصلنا فيها إلى نتيجة أساسية: أن لا فن يلغي فناً، هناك جوائز خاصة للرواية فقط، العملية الاقتصادية هي التي صدرت مقولة “زمن الرواية”، وهذا على عكس ما نراه في الغرب . جائزة البوكر الأمريكي فازت بها كاتبة قصة قصيرة جداً، وفي إسبانيا جائزة “متحف الكلمة” فاز بها طارق إمام، وقبله فاز بها شريف إسماعيل من الإسماعيلية .
معنى ذلك كبير جدا أن تقيم إسبانيا جائزة يسلمها الملك بنفسه لكتاب شباب يكتبون القصة القصيرة، هذا مدعاة للفخر وللتأمل، كذلك نجد الفائزة بالبوكر العالمية كاتبة إيرلندية 1983 وهي أصغر كاتبة تفوز بالجائزة في تاريخها، نحن نفهم الأمور خطأ حتى في إصدار المجلات الخاصة هناك مجلة “الرواية” أما مجلة القصة فلا يعرف أحد عنها شيئاً .
أنت من الكتاب القلائل الذين يصرون على كتابة القصة القصيرة لماذا؟
– مازلت مُصراً على كتابة القصة القصيرة، كتابة الرواية أصبحت موضة، نرى بعض الشعراء يكتبون الرواية، وأنا لا أحب الموضة في الكتابة، أنا أحب أن تكون الكتابة خالصة للكتابة، البعض يجري وراء الرواية كفن رائج، أما من الناحية الفنية فسوف نجد أن القدرة على التفكيك تكون في القصة أكثر، الرواية في النهاية لها شكل ملحمي، أنا قادر على كتابة قصة قصيرة سطراً واحداً، ويمكن كتابتها في 40 ورقة، مونرو قالت حين حصولها على الجائزة: “أنا لا أفهم كيف لا يعبر الكاتب عما بداخله في سطور قليلة . إذاً القضية تكمن في التكثيف . إذا رجعنا إلى “تشيخوف” نجد رواياته “عنبر رقم 6” لا تتعدى 60 ورقة، ورواية الطيب صالح “الهجرة إلى الشمال” لا تتعدى 80 .
القصة هي بنت المنابع الأولى للحكي . . فهل مازالت تمتلك هذه الدهشة؟
– الفن عملية فردية، كل كاتب له وجهة نظر، أنا أحب الفوتوغرافيا وأحترفها، الموهبة متاحة للجميع، هناك قدرات لكل فنان والمسألة اختيار فردي، “فان جوخ” رسام عالمي، هل قال أريد أن أكون موسيقاراً؟ وهكذا التعامل مع الفن، لا بد أن يكون ضرورة للتعبير عن الروح .
هل استفدت من عملك كمصور فوتوغرافي؟
– الفن والتصوير وكتابة القصة أنقذتني، هناك وحدة موضوعية، هذا أعطاني فكرة أن الفن وحدة مكتملة، ومن ذلك صنعت كتاب “الجرافيتي”، الذي وثقته بإحساس فردي، أنا لم أصوره كلوحات مصممة . أنا صورته كلوحة فنية .
_______
*(الخليج الثقافي)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *