*كرم نعمة
يرثي ناشر بمستوى كولن روبنسون صناعة الكتاب في مقال “حزين” بصحيفة نيويورك تايمز، مستذكرا كيف أن فرجينيا وولف كانت تعلمنا “طريقة قراءة الكتاب” عام 1925، فمراجعاتها للكتب آنذاك في ملحق جريدة التايمز، تملأ لوحدها نحو ثلاثين مجلداً.
السيدة “دالاوي”! صارت تقرأ بانتظام يذكرنا بغوتة، لكن ألم روبنسون على الكتاب لا يفضي إلى معادل معاصر لفرجينيا وولف.
هو يتحدث عن أزمة سوق الكتاب المريضة، ويضع النشر الإلكتروني وعدم ترويج الصحافة الورقية كما كانت لجديد الكتب على صفحاتها، بين أسباب المرض وليس المرض نفسه.
فقر الدم الذي تعاني منه سوق نشر الكتاب امتد ليصيب المكتبات العامة بعد إقفال عدد كبير منها ليس في الولايات المتحدة وبريطانيا وحدهما، بل في دول أخرى.
وأسهمت الصحف بقدر ما في هذه الأزمة عندما حجبت صفحات عروض الكتب كما في لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست، بينما تقلصت عروض الكتب في نيويورك تايمز إلى ثلث ما كانت عليه عام 1970.
“أمازون” متهم بحرمان القراء من التفاعل المباشر مع بائعي الكتب، وهو سبب رومانسي لا يعول عليه كثيرا المساندون لثورة الكتاب الرقمية.
لكن الناشر كولن روبنسون لايملك ما يدعم به تواصل الكتاب الورقي، مثلما لا يرفع صوته أكثر مما ينبغي في اتهامات مكررة، لأنه مدرك أنه يسير في الجهة التي تتضاءل سرعتها حيال سرعة تقدم النشر الرقمي.
فسوق الكتاب الورقي تراجع 6 في المئة في النصف الأول من عام 2013 وحده، كما تقلص الإنفاق على التحرير والترويج وأجور المؤلفين، مع أن أرباح الناشرين بقيت في مستواها بسبب ارتفاع هامش توزيع الكتب الإلكترونية.
يمكن أن نتصور أن قائمة القراء اليوم تبدو متخلفة عندما نعرف أن موقع “كوودريدر” المهتم بنشر الكتب وتوزيعها استقطب عشرين مليون مستخدم، وهو رقم يبدو ضئيلا قياسا بعدد المستخدمين على موقع التعارف “ماتج” أو “فيسبوك”.
إنه مقياس على الذائقة الجديدة التي صنعها الإعلام الرقمي على حساب اكتشاف الجديد في ثقافة أكثر تنوعا.
اتهام الصحف بتكاسلها في دعم الكتاب الورقي “ابن بيئتها” يضيف على كاهلها عبئا آخر، هي التي تعيش الأزمة نفسها، فهي غير مطالبة بالدفاع عن امتيازات الكتاب الورقي، لكنها أيضا يجب أن تسهل وتنبه عين القارئ إلى الكتاب، لا أن تزيد من محنته كما حدث عندما أعلن عن مسابقة لإنتاج رواية في غضون ثلاثين يوما، استقطبت 300 ألف من المشاركين، وهو أمر برأي جيل القراءة العميقة، لا يساعد على القراءة بقدر ما يضع العقل في حيرة.
الصحف تدرك اليوم أن سلوك القراء تغير، وهي تبحث عن تغيير محتواها في عمق أزمة متصاعدة، لكنها يجب ألا تنثني بدعم القراءة للكتاب والتوجيه إلى أفضل الخيارات من أجل الكتاب وحده، وكي لا تنسى المؤلفين أولئك الذين يصنعون حياة مختلفة على الورق، لأن لا قيمة لما يكتب إن لم يكن ذلك بوجود قارئ، الكتابة حسب تعبير جون شيفر مثل القبلة لا يمكن أن يقوم بها المرء لوحده!
________
*ميدل ايست أونلاين