*ترجمة: لطفية الدليمي
بعد الثورة أدرك الناس أهمية الفردي والشخصي في حياتهم
منذ نحو الثلاثين عاما طُـُردت آزر نفيسي من جامعة طهران لرفضها ارتداء الحجاب لكنها لم تركن للسكون ولم تزل منذ ذلك الحين ترفع صوتها عاليا مدافعةَ عن الحقوق المدنية ( وبخاصة حقوق المرأة ) وتدفع الناس لاستخدام النتاج الأدبي لتعزيز التفاهم والتسامح الحضاريين ،عندما قدمت نفيسي إلى الولايات المتحدة نشرت مذكراتها المعنونة ( ان تقرأ لوليتا في طهران Reading Lolita in Tehran ) التي بقيت تتصدر قائمة الكتب الأفضل مبيعا لنيويورك تايمز لأكثـر من مئة أسبوع ، الكتاب الثاني لنفيسي الذي يعد بمثابة المذكرات الأكثـر ملامسة لحياتها الشخصية هو ( الأشياء التي لم أقلها ) والتي تحكي فيه بصورة رئيسية عن علاقتها مع أمها وأبيها اللذين كانا من الشخصيات الهامة والمؤثرة في إيران ، هذه معظم أجزاء الحوار الذي أجراه موقع (Goodreads ) مع نفيسي في كانون الثاني 2009.
* ما الفكرة التي أسست لكتاب مذكراتكِ الثاني ؟ و ما الذي ألهمكِ التأمل والكتابة في تأريخ عائلتك ؟
– كي أكون واضحة تماما لم يكن لي أية رغبة في كتابة هذا الكتاب فبعد نشر كتابي ( أن تقرأ لوليتا في طهران ) كنت أعتزم كتابة كتاب اخترت له عنوان ( جمهورية الخيال Republic of Imagination ) الذي أردت فيه ترسيخ فكرة أهمية القراءة والنتاج الأدبي في حياتنا لكنني كنت في ذات الوقت مسكونة بفكرة طاغية هي علاقتي بأمي وأبي ،إذ مازلت أشعر بذنب نحوهما بعد أن غادرت إيران لأنني لم أعرف وقتها متى سيكون متاحا لي رؤيتهما ثانية . عندما ماتت أمي تغير اتجاهي وتوحدت مع صورها الفوتوغرافية بشكل مطلق ،فقد اعتدت أن أمضي ساعات أدقق في صورها بعدسة مكبرة وأسائل نفسي ” كيف يمكن لي ان أسترجعها بعد الآن ؟ ” وهذه كانت نقطة البداية في كتابة كتابي الذي تسأل عنه والذي ما ان بدأت الكتابة فيه حتى خشيت أن يكون شخصيا اكثر مما ينبغي فحاولت معالجة الموضوع برواية الأحداث في سياق تأريخي ولكن هذا لم ينفع كثيرا ثم حصل أن توفي والدي هو الآخر عام 2004 بعد نحو سنة من وفاة والدتي فبدأت بقراءة مذكراته ويومياته وانهمكت في هذا العمل كلية وبعدها قررت أن أكتب كتابا شخصيا جدا ولكن في سياق حضاري وتاريخي وهذا ما دأبت على تأكيده دوما في أعمالي فلطالما كنت مولعة بالتقاطعات بين الذاتي والتاريخي تماما مثلما أنا مولعة بالعلاقة بين الواقع والرواية .
* ما الذي تتوقعينه عما سيكون عليه استقبال كتابك ” أشياء لم أقلها ” في ايران؟
– أرى كل كتاب لي عنصر تهديد بشكل ما وإذا أردت الحق فإن أي كاتب يبغي مقاربة الحقيقة ينبغي أن يتحمل قدرا من المخاطرة ولكن كتابي الذي أشرت إليه هو الأكثر خطورة بسبب طبيعته الشخصية جدا . بعد الثورة الإيرانية أدرك الناس أهمية ” الفردي ” و ” الشخصي ” في حياتهم رغم ان الحكومة كانت قامعة جدا تجاه حيوات الأفراد الشخصية وحقوقهم المدنية وهنا أريد التأكيد على أن كتابي لا ينطوي على أية أسرار قذرة وأتمنى ان يقرأه الإيرانيون رغبة باكتشاف الحقيقة والاحتفاء بحيوات الأفراد وأطمح ان يكون له التأثير المناسب في حياة الجيل الأصغر من الإيرانيين لأنني أرى أفراد هذا الجيل اكثر انفتاحا ووعيا بالحقوق الفردية بينما كان جيلي غارقا في الأدلجة ، أتمنى ان يفتح هذا الكتاب قنوات مثمرة للحوار في ايران.
* لاقت روايتك ( أن تقرأ لوليتا في طهران ) قبولا عالميا واسعا ، هل تضعين أمامك–عندما تكتبين – اعتبارات قبول أعمالك عالميا أو إيرانيا ؟
– هذا سؤال مثير ،من بين أكثر اكتشافاتي إثارة هي ان العمل الأدبي لا تحده حدود إثنية أو لغوية أو دينية أو طبقية، إن مجال عمل الأدب له تأثير كوني ، فشاعر مثل الرومي أصبحت أعماله من أكثر المبيعات في أمريكا ،وفي المقابل فإن رجلا اسمه Saul Bellow يمكن أن يغدو شاعرا مميزا لدى بضعة من طلابي الذين لم يغادروا إيران أبدا، أرى في القارئ دوما شخصا أستطيع مشاركته رؤيتي للعالم عبر قنوات اتصال لا علاقة لها بجنسيته أو جنسه أو دينه، وهذا ما أرى فيه القدرة على الإدهاش الكامن في عملية القراءة والكتابة , وهكذا تعلمت كيف أنظر إلى القراءة منذ كنت صغيرة ،فعندما كان أبي يروي لي قصصا ،يبدأ بالفارسية أولا ثم يقرأ لي هانز كريستيان أندرسن وبعدها قصص الأمير الصغير الفرنسية ،لكنه لم يذكر لي أي شيء عن خلفيتها الثقافية أو الحضارية بل كان يرويها بكونها تنتمي جميعا إلى مملكة الأدب وهو ذات ما أريد لأبنائي أن يفعلوه : أن ينتموا إلى المجتمع الإنساني بلا قيود .
* هل انشغلت كثيراً في البحث التاريخي عند كتابة رواياتك ؟
– نعم بطريقة لن تصدقها وربما أخبرتك مساعدتي الرائعة عنها . لدي حقيبتان مليئتان بالكتب ،وقد بدأت بكتب التاريخ وقراءة المذكرات بهوس جنوني . أخبرت كل أصدقائي ان يرسلوا لي كلما يتيسر لهم من كتب مذكرات أو سيرة وما زلت أذكر كيف كنت مفتونة بكتاب الرئيس أوباما الأول ( أحلام من والدي Dreams from my Father ) . لم أكن في البداية مهتمة به كثيرا فقد ظننته مجرد سياسي من السياسيين يكتب مذكرات لطالما سمعنا أو قرأنا عنها لكن ما فتنني لاحقا هو اللمسة الشخصية التي أضافها أوباما على ما كان يبدو محض سيرة عادية . الكتاب الثاني الذي لا أزال أذكره بشغف هو ( إسطنبول : المذكرات والمدينة ) لأورهان باموك الذي أتشارك معه الكثير من التجارب والأفكار . أرى في كتاب إسطنبول مذكرات تلامس شغاف القلب وتؤثر فيه بقوة.
________
*(المدى)