*خلود الفلاح
( ثقافات )
بعد عوالم البادية في روايات” سلطانات الرمل” و”بنات نعش” و”مرآة الصحراء” تنتقل لينا هويان الحسن بروايتها الجديدة “نازك خانم” الصادر عن دار ضفاف في بيروت العام2013، إلى عالم المدن، لينا التي تعيش في بيروت وتكتب عن دمشق الستينيات والسبعينيات تشعر بحنين لأزقة دمشق وعن ذلك الحنين قالت: دمشق تلازمني كظلي، قلبي هناك، يلهث في زواريبها، وحاراتها. وذاكرتي تنهل من ماضيها الصاخب. الماضي يتجدد دائماً بشكل ما، فهو جزء من التاريخ الذي يعيد نفسه. إنها مدينة تقوم على أرض قوامها عدة حقب من التاريخ. والتاريخ يلهمني، لأنه قراءة تنبؤية للمستقبل فكما يكون ماضيك سيكون مستقبلك. حنيني لدمشق وحزني عليها لا يمنعني من حبي لبيروت وامتناني لهذه المدينة “المرّحبة” وطيب إقامتي فيها.
تقول الحسن في تقديمها لروايتها “نازك خانم” “لابد أن هنالك بين الدمشقيين من يتذكر أو سمع بنازك خانم أو كما سماها الفرنسيون نازيك هانوم الجميلة التي جلست عارية أمام بيكاسو في مرسمه بشارع دوجراند أوغسطين في باريس وكانت ضمن العارضات العشر الأوائل الذين ألبسهن إيف سان لوران بدلة السموكينغ لأول مرة بالتاريخ. وأول امرأة ارتدت البكيني في مسابح دمشق وقادت سيارتها بلباس رياضة التنس”.
في هذه الرواية آثرت الحسن الخروج من فضاء البادية إلى عالم المدن “دمشق وباريس” ومع ذلك ظل عالم المرأة حاضرا كرواياتها السابقة.. فكان ردها: المرأة كائن متقلب ومتنوع وعالم الإنوثة أكثر إثارة واستفزازاً من عالم الرجل. فالروايات لن تُكتب دون بطلات يشعلن صفحاتها. النساء يتميزن بالتناقض، أي يمكن لامرأة واحدة أن تكون وفية بشكل ما أيضاً خائنة على نحو ما. ويمكنها أن تكون طيبة وبنفس الوقت شريرة. النساء يمتلكن شرّاً جميلاً وغامضاً أي يقتلن دون سفك دماء. وتضيف لينا: لا حياد بالأدب. لأنه يكتب بدافع الشغف والجنون. لا توسط في الأدب. أرسم ملامح أبطالي كما أريد أنا، حتى لو استلهمتهم من الواقع. إنهم مكبلون بمخططاتي، لا يتاح لهم رسم الخطى خارج سطوري. لا أترك لهم الحرية بشيء. أفعل بهم ما أشاء.
في هذه الرواية تقدم لينا نصا مختلفا.. وهذا يدفعنا إلى القول هل بدأت في التنصل ولو قليلاً من ذاكرتها ومن أناس تربطها بهم صلة الدم. هنا قالت أنها كتبت عن الصحراء بحب كبير، وبغزارة، حوالي خمس أعمال أدبية عن البادية، وأضافت: لكن هذا لا يعني أني مطالبة دائماً بالولاء لجذري القبلي. الخيانة الأدبية أكثر إغواء من الولاء الأدبي. أن نخلص لموضوع واحد هذا يعني “التكرار” ومهما كانت جودة النص ذلك لن ينقذني من شبهة الاجترار في حال تابعت الكتابة عن ذات العوالم. كل نص جديد هو مشروع خيانة للنص الذي قبله. لستُ من الأوفياء لمواضيعي. أكتب وأغادر دون الالتفات للوراء. عيني دائماً على المواضيع الجديدة.
“نازك خانم” رواية تاريخية.. قلبت فيها الروائية أرشيف الصحف والمجلات نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. عن هذه الرحلة قالت: رحلة شاقة كانت عملية البحث والتقصي لأجواء باريس. عدت لصحف عربية صادرة في الستينات والسبعينات. وأحياناً اضطررت للجلوس أمام الميكروفيلم لساعات طويلة بغاية العثور على معلومة تساعدني برسم العوالم المحيطة بنازك خانم. كتابة الأدب ليست نزهة، إنما عمل صعب يحتاج لقدرة كبيرة على الصبر والتركيز. عبر اهتمامي بتقديم المعلومة بالنص أعبّر عن احترامي الكبير لقارئي. يعنيني كثيراً أنّ قراءة نصوصي تزوّد القارئ بعوالم جديدة يجهلها وهذا لا يحدث دون البحث من طرف الكاتب. أما إلى مدى يشغلها القارئ فقالت: القارئ لا يجامل ولا يفعلها، فلا مواقف مسبقة لديه مع النص، ببساطة يقرأ الرواية ويدلي برأي واضح كأن يقول عن رواية قرأها: “الرواية ممتعة” أو العكس، بينما الناقد يقول كل شيء بتعقيد ويخضع لحسابات كثيرة، لا براءة في النقد، بينما القارئ أراهن على براءة تلقيه بنسبة عالية. النقاد لا وقت لهم ليهتموا بما يكتبه الأدباء لانشغالهم بالتنظير حول ما كان يجب أن يكتبوه.
___________
* شاعرة وإعلامية من ليبيا