حوار مع القاص الليبي جمعة بوكليب


*خلود الفلاح
خاص ( ثقافات )

جمعة أبو كليب من مواليد طرابلس عام 1952، بدأ الكتابة والنشر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. صدرت مجموعته الأولى العام 2008 “حكايات من البر الانكليزي”. تناولت أزمة الهوية والاغتراب الثقافي والاجتماعي والسياسي عاشه الكاتب بين مدينتين أو منفيين: طرابلس مسقط رأسه ولندن التي شكلت عنده رحلة البحث عن الذات، وفي مجموعته القصصية الثانية التي صدرت العام 2013 ،” خطوط صغيرة في دفتر الغياب” لا يمكن تجاهل تساؤلاته عن أسئلته حول الموت والحياة والغربة.

في إجابته عن السؤال لماذا تكتب ؟
قال القاص جمعة بو كليب:”الخلود صفة اكتسبتها الآلهة على مدى التاريخ والفناء صفة التصقت بالبشر. الكتابة في هذا السياق تعد عملا ضد الموت المادي والمعنوي ومحاولة للإمساك بالخلود”.
وهل يسعى لإرضاء القارئ أثناء الكتابة؟
أجاب: “ككاتب قصة وككاتب عموما أسعى دوما إلى ترميم ما تصدع مني وجدانيا ونفسيا وبدنيا ومحاولة خلق نوع من التوازن النفسي الصحي بيني وبين العالم والحياة”.

انتعاش القصة القصيرة
يكتب القصة القصيرة بخصوصية يكتشف القارئ خلالها مودة وحميمية بين القاص وكلماته وسؤالي هل يعيش جمعة بوكليب شخصيات قصصه؟
فكان رده: “لكل كاتب جاد وجيد طريقته في التعامل مع النص وفي تجربتي الشخصية يبدأ النص بالتشكل في القلب أولا عبر صورة أو صور متعددة وجدانيا ثم عقب ذلك يأتي دور اللغة في رصد تلك الصور ومحاولة نقلها على الورق. من هنا قد تأتي بما وصفته “بالحميمية” بيني ككاتب والكلمات”، وأضاف بوكليب:” بالتأكيد يمكن للكتابة كشف الجوانب المعتمة في المجتمع لأن من ضمن وظائف الأدب والفن محاولة بناء جسر قوي ومتين يمكن المجتمع من عبور ركود الحاضر إلى حيوية وحراك المستقبل برؤية جمالية فنية، وبالتالي السعي والتطلع إلى حياة إنسانية أفضل واجمل”.
رغم انتعاش القصة القصيرة اليوم والدليل فوز القاصة أليس مونرو بجائزة نوبل للآداب يرى البعض أن حياة الرواية أطول من حيث الشهرة والترجمة.
عن هذه المسألة قال جمعة بوكليب:” المهم في الكتابة سواء أكانت قصة قصيرة أو رواية هي القدرة على الإقناع فنيا وجماليا والإدهاش والإمتاع”.

حكايات بين طرابلس ولندن
في مجموعته القصصية”حكايات من البر الانكليزي” هناك حضور للمكان القريب” لندن” والبعيد” طرابلس”. عن مدى تأثير الأمكنة أثناء الكتابة.
قال: “الأمكنة تاريخ والعلاقة بها علاقة الذاكرة بالذات الإنسانية بمعنى العلاقة بالزمان أيضا. فهي علاقة إذن “زمكانية” متداخلة ومرتبطة بالذات الإنسانية “الكاتب” ومشحونة بمختلف العواطف والمشاعر الإنسانية: الحب والكره، الفقدان والحسرة على سبيل المثال. محاولة رصد المكان في كتابتي القصصية هي محاولة لتبيث المكان في الذاكرة والوجدان داخل حقبة زمانية محددة ضد عوامل التآكل أي أنها محاولة للهروب بالمكان من شباك النسيان والموت- الفناء”.

مفهوم الاغتراب
في مجموعته الثانية”خطوط صغيرة في دفتر الغياب” نلمح بعضا من السيرة الذاتية. هل هذه الكتابة فرضتها الحالة الكوزموبوليتانية التي عاشها بين المدن. فكان رده:الكتابة عمل ذاتي وبالتالي يحدث أن تتسرب نتف من السيرة الذاتية في عمل الكاتب في كتاباته أحيانا بوعي أو بغير وعي. العيش في مدن عديدة يوسع من خلايا الذاكرة ويزيد في مدارك العقل ويشحن الوجدان الإنساني وهذا مهم للكاتب أينما كان وحلّ.
وعن الغربة التي هي قاسم مشترك بين “حكايات من البر الانكليزي” و” خطوط صغيرة في دفتر الغياب”.
قال: “هناك غربة أبدية تلاحقنا دائما منذ مغادرتنا لأرحام أمهاتنا حيث الدفء والأمان وحتى الممات وهذه غربتنا الأولى كبشر. السجن غربة من نوع آخر. المنفى – قسريا أو اختياريا- غربة. الأسوأ أن تشعر بالغربة وأنت بين أهلك وأحبتك ولغتك وفي الأرض التي تسميها وطنك.

ليبيا المشهد المؤلم
أنا كمواطن ليبي وكمثقف ليبي رغم العيش خارج ليبيا فإنني ما زلت في داخل المشهد الليبي بمعنى “القلب في ليبيا والفريسة في لندن ” والمشهد الليبي الحالي ليس غريبا وليس جديداً على من له علاقة طيبة بكتب التاريخ. نحن كليبيين محكوم علينا بالأمل بعد سنوات الجمر التي مرقنا منها كما يمرق الجمل من سم الخياط. وفي الأخير كما تقول غناوة العلم ” صيور صبرنا يمحيه اليأس مو على طول عمرنا”، وأضاف: طبعا سقف الحرية في ليبيا في تحسن كبير جدا وملحوظ جدا ومن مزايا انتفاضة 17 فبراير إنها أطلقت عقال ألسنتنا وأفكارنا وقلوبنا ولا يمكننا التفريط في هذا المكسب الإنساني الرائع.
_______
* شاعرة وأعلامية من ليبيا

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *