الأفعال المبنية «للمذهول»


*إيمان الهاشمي

حين نكتب عن ظلمات الواقع يتسع بؤبؤ سطورنا ويشتد سواداً دونما نشعر كالعضلات اللاإرادية! وحين تقتصر حروفنا على الجانب المشرق فقط ترتسم ابتسامة جميلة فوق صفحةٍ ناقصة على كتاب وجوهنا! ولو بنينا قصور الأحلام في السماء قالوا أوراقاً حالمة وغير واقعية! إذن ماذا نكتب؟

«كلٌ يغني على ليلاه»، وكلٌ يعبّر عن رأيه ويشرح بطريقته الخاصة ما يجول في خاطره، بغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه الفكرة صحيحة أم خاطئة؛ طالما أنها غير عنصرية أي لا تمس «بسوء» الجواهر الأساسية للدين والعقيدة، أو الوطن، أو الشرف والعرف، أو العادات والتقاليد، أو بعض الموضوعات الشائكة التي مهما بحثنا فيها تبقى معلقة من دون حل فـ«رضا الناس غاية لا تدرك»؛ وأنا لا أجد أي ضير في «حرية التعبير»، باعتبارها حقاً طبيعياً للإنسان، فالجرأة تشبه إلى حدٍ ما المشي بثقة في حقلٍ من الألغام! لكن بالرغم من الإشادة بشجاعة كل من يتقبل هذا التحدي! تظهر الحقيقة بوجود خط رفيع بين الجرأة والوقاحة، وبين حرية الرأي وفرضه؛ لذلك يجب على أقلامنا التقدم بخطواتٍ حذرة وبعقلانية راكزة، دون تجاوز الخطوط الحمراء بالتعدّي على حريات الآخرين، أو التدخل في آرائهم ومحاولة التحكم في أفكارهم واستمالتهم بحروف تعمل عمل التنويم المغناطيسي! وأحياناً الطلاسم في السحر!
إن أخلاق الحروف تظهر في معاملتها للعقل وأسلوب مخاطبته، فالاستغلال الفكري للانسان يحتل المركز الأول بلا منافس لأخطر أسلحة الاستغلال وأكثرها انحطاطاً، فإتقان «غسيل المخ» وتسخير القوى الربّانية في السيطرة على الآخرين، تُجسّد بدرجة امتياز مع مرتبة «القرف» العلاقة بين «الإنسان والشيطان»! لأن مسؤولية الكاتب تماماً كالمعلم حين يلقّن طفلاً أول درس في أول حصة من صفوف العمر لمدرسة الحياة.
«فالمبتدأ» في هذا المقال هو الفكرة و«الخبر» هو الأسلوب، أما «الفاعل»، سواء كان مستتراً أم لا، فهو حتماً الكاتب و«المفعول به» وإن كان ضميراً غائباً فهو القارئ؛ و«الجملة» الصحيحة تبقى مرفوعة، أما الجملة الناقصة أو الشبه جملة فلا محلّ لها من الإعراب.
وهكذا تبقى بعض «الأفعال» مبنية للمجهول، وبعضها «للمذهول»!
________
*فنانة وكاتبة من الإمارات 
(الإمارات اليوم)

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *