ترجمة – هالة عدي
غالباً ما ارتبط الشعر بالاكتئاب, والجنون, وأمراض نفسيّة أخرى. وصف أحدهم الشاعر “بايرون” بكونه “مجنوناً, وسيئاً, وخطيراً”, وكان “كيتس” مندفعاً الى حد الإضطراب بسبب حب الاستحواذ, أمّا “سيلفيا بلاث” فقد أقدمت على الانتحار.
بحسب دراسة لطبيبة علم النفس “كاي ريدفيلد جايمسون”, حالات الانتحار واضطرابات المزاج أكثر بعشرين مرة عند الشعراء البريطانيين والايرلنديين, وخاصّة ًبين القرن السابع عشر والتاسع عشر. بعبارة أخرى, الشعراء معرّضون للتوجّه إلى مصحة عقلية أكثر بعشرين مرّة من عامّة الناس.
تحيّر العلم عند محاولة تفسير هذه الظاهرة, ففي دراسة حديثة, وُجِد أن دماغ الفنّان- أثناء العمل- مشابه لدماغ شخص مصاب بمرض انفصام الشخصيّة, بينما وجدت دراسة أخرى أن الطلّاب المبدعين يتشاركون السمات الشخصيّة مع مرضى الاضطراب ثنائي القطب.
في منتصف القرن التاسع عشر, كتبت الشاعرة “إميلي ديكنسون” إنّ “الكثير من الجنون هو احساس رفيع”, بينما سأل “إدغار آلان بو”: “هل إنّ الجنون ذكاء سامٍ؟”. لكن, لماذا يجذب الشعر الأشخاص المصابين باضطرابات عقليّة؟
يقول الشاعر “لوك رايت”: “لو كنت شخصاً مبدعاً, ستتمكّن من كتابة الشعر, لأن الشعر قصير, ويمكنك التصرّف فيه بحرّية, ومختلف عن كتابة الرواية؛ التي ستستغرق سنوات عدّة لكتابتها, دون أن تعرف إن كانت جيّدة”.
يتعلّق الشعر بالفوارق البسيطة للّغة, ورؤيتك المختلفة للعالم. تقول الفنّانة “لورا دوكريل”: “يجب أن تكون مهتمّاً بجوانب مختلفة من الكون لتمسك القلم, وتبدأ بتحليل العالَم من خلال الشعر.. أظنّ أن عقولنا عبارة عن مجموعة خربشات, وهي دائمة النشاط؛ لأنك تستطيع الكتابة عن أي موضوع, وفي أي وقت.. جزء من كتابة الشعر, أن تجعل الكلمات تقوم بعمل يفوق عملها في العادة, لذا تبحث عن جميع معاني الكلمة, ومن ثمّ تبدأ بالتفكير بالطريقة ذاتها؛ محلّلاً جميع التفاصيل الدقيقة”.
صراع إبداعي
حاول العديد من علماء النفس تحديد الأمر الذي يجعل الانسان مبدعاً, وكيفيّة حساب الإبداع؛ إذ بدأت إحدى الدراسات بحساب عدد استخدامات قطعة قرميد التي تتبادر إلى أذهان المشاركين في الدراسة, كما تستخدم حتى الآن نظرية أخصائي علم النفس “جي بي غيلفورد”, المنشورة العام 1950 في كتابه “الإبداع”, يركّز “غيلفورد” على أربع نقاط, هي الفصاحة, والمرونة, والقدرة على ابتكار الفكرة وتحسينها.
يعرّف اخصائي علم النفس “غاري فيتزغيبون” الإبداع بأنه “عدم التقيّد بالقواعد, أو القبول بالقيود التي يفرضها المجتمع علينا. وبالتأكيد, كلّما كسر الشخص القواعد, ازدادت احتمالية اعتباره ’مختلا عقليّاً’”. لكن يبقى السؤال: هل تدفع الأمراض العقليّة الشخص نحو الفن, أم العكس؟
يقول “رايت”: “يصدر الابداع عن صراع في مكان ما من العقل, ليس من الضروري أن تكون “مجنوناً” لتصبح شاعراً, لكن العقل النشيط يولّد أفكاراً ايجابيّة وسلبيّة في نفس الوقت. هذا الأمر رائع, لكنّه يعني أن التكيّف مع الحياة “الطبيعية أمر صعب”.
شاب سعيد
مع ازدياد الاضطرابات العقليّة, ازدادت صعوبة تحديد ما هو “طبيعي”. فبحسب “مكتب تعداد الولايات المتحدة”, نحو واحد بالمئة من الأميركيين مصابون بمرض انفصام الشخصيّة, ويؤثر مرض قصور الانتباه وفرط الحركة في نحو اربعة بالمئة من البالغين, بينما 2,5 بالمئة مصابون بالاضطراب ثنائي القطب.
يرى البعض أن التعبير عن المشاعر, وتجربة مختلف جوانب الحياة, أمر ايجابي, حيث يقول الفنّان “سكروبيوس بيب”: “أكتب أشعاراً عن الكثير من المواضيع المظلمة, لكنني شاب سعيد معظم الوقت, فأنا لا أناقش مع أصدقائي مواضيع القتل, والانتحار, والعنف المنزلي, أثناء حياتي اليوميّة, عادةً أتحدّث عن الامور الطبيعيّة؛ ككرة القدم مثلاً. من المهم أن تختبر مختلف المشاعر, وبالرغم من اصابة الشعراء بأمراض عقليّة, إلا أن التعبير عن المشاعر عبر كتابتها, ومشاركتها, أمر ضروري”.
وبالفعل, وُجد أن الفن “يقلل من التوتّر, ويزيد من تقدير الذات”.
_____
* أليكس هدسون/ عن موقع بي بي سي