حوار مع الروائي والأكاديمي الفلسطيني أحمد رفيق عوض


حاوره / أيمن أبو عبيد

عانى المثقف الفلسطيني على مدى سنوات الاحتلال الطويلة، حرباً مبطنة أضرت بالنسيج المجتمعي وبثقافة شعب وتراثه ببطء وهدوء، وتنبه لها المثقف الفلسطيني قبل غيره، وشعر بحتمية التصدي لما يخطط له الاحتلال من تفكيك عقد المجتمع وإعادة هندسته بطريقة توائم أهداف الاحتلال ونواياه .
حول الاحتلال غير الملموس، وهواجس المثقف الفلسطيني، في ظل وطن محتل ووطن عربي أكبر يشهد تغيرات جذرية، كان ل”الخليج” حديث مع الروائي والكاتب الفلسطيني أحمد رفيق عوض، أثناء زيارته للعاصمة الإيطالية روما، وهو دكتور إعلام وعلوم سياسية، ومحاضر في جامعة القدس، كتب أكثر من 25 كتاباً، وطبعت مرات عدة . ويعد أحد مؤسسي الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني، وأبرز الشخصيات الثقافية الفلسطينية في المشهد الأدبي القائم .
يعرف المتابع للقضية الفلسطينية الاحتلال الصهيوني في شكل دبابة وقذيفة وشهيد فلسطيني، لكن هناك نوعاً آخر من الاحتلال غير الملموس، فهل تطلعنا عليه؟
– صحيح، الاحتلال ليس فقط حالة فيزيائية، بل أيضاً حالة روحية وفسيولوجية تماماً . الاحتلال ليس فقط احتلال مباشراً عسكرياً، بمعنى الظهور الفظ له على الأرض، من خلال الاستيطان والقتل والحواجز والاعتقال، فهو أيضاً حالة نفسية وعقلية وروحية .
الاحتلال يطحن ويجعل الرؤيا ضبابية ويشكل الأولويات ويغير حتى المسلمات، لاحظ أن الاحتلال بسبب صلافته واستمراره غيّر الرؤيا العريضة من النضال من أجل فلسطين كاملة إلى فلسطين مجزأة، ثم إلى فلسطين أوسلو ففلسطين مشتتة، فإلى فلسطين حكم ذاتي . وهذا تغيير خطير في المسلمات .
أكثر من ذلك، الاحتلال يمسك بمفاصل الحياة اليومية للفلسطيني، ويلتف على الحلول الحقوقية واستطاع من خلال ممارسة إدارة الاحتلال، أن يخلق عقليات برغماتية وعقليات وسطية وعقليات انهزامية وعقليات متطرفة ومتعصبة .
هل تعتقد أن الشعب الفلسطيني تأثر ثقافياً واجتماعياً بهذا النوع من الاحتلال اللامرئي؟
– الشعب الذي يقع عليه الاحتلال مدة طويلة جداً جداً من الزمن يتغير، ففكرة فلسطين الكاملة تغيرت، وفكرة رفض “الإسرائيلي” تغيرت، وفكرة التعامل مع المحتل تغيرت، وفكرة العروبة تغيرت وفكرة الإسلام تغيرت، وذلك كله بسبب الاحتلال . ولا أقول إنه تغير في الاتجاه الصحيح أو إيجابي، لا، فالاحتلال أسوأ ما يمكن أن يتعرض له الفرد والجماعة، وبالتالي العودة إلى الجذور وإلى مسلمات الثقافة العربية الإسلامية، تصبح أكثر غربة كلما تقدمنا من الزمن، لأنه يطحنك ويشكك بنفسك، وتسود عملية العقلية الشكاكة، والعقلية الفردانية والعقلية المتعصّبة، وتبرز الانتماءات الصغيرة .
وما الدور المنوط بالمثقف الفلسطيني للتقليل من هذه الآثار؟
– المثقف الفلسطيني عليه أن يعرف أن مهمته صعبة جداً، وعليه أن يكون أيضاً فلسطينياً وقومياً وإسلامياً . وعليه أن يعرف أنه لا يعبّر عن نفسه فقط .
ولكن من هو المثقف الفلسطيني؟ فالمثقف الفلسطيني مفهوم واسع جدا . لأن ثقافتنا الفلسطينية مكانية، هل هو من تحت الاحتلال؟ أم هو من في الخارج؟ إذ إن المثقف الفلسطيني في الخارج يحمل احتلاله معه، عمليا يحمل معه فلسطين المحتلة، وبالتالي يعبر عن الجرح . وأينما كان المثقف الفلسطيني في أية بقعة جغرافية، عليه أن يدفع ثمن جغرافيته أيضاً، وبالتالي فكرة تعريف المثقف الفلسطيني فكرة معقدة جداً، لكن إذا تكلمنا عن المثقف الفلسطيني داخل الأرض المحتلة الآن، برأيي أن أمامه مهمات كثيرة جداً، وأنه منشطر على نفسه في أولوياته وهمومه وعن ماذا يعبر . وللأسف انخفضت السقوف، انخفضت جدا، وأصبح المبدع الفلسطيني يميل إلى ما هو جمالي على حساب ما هو نضالي، وأصبح الذهاب إلى ما يسمى الجمالي وكأنه تعويض عما يمثل إنكارا للجانب النضالي وهزيمته . . للأسف هذه هي الحالة .
خذ مثلاً، إدوارد سعيد، متى نعتبر أنه فلسطيني أو متى نعتبر أنه أكد فلسطينيته؟ في أيامه الأخيرة، أنجز ما أنجز ضمن منظومة أوروبية أمريكية “الأنجلوسكسونية”، وكان عقلاً جبارا، وربما أفضل من انتقد المقولة الاستعمارية البيضاء البروتستانتية من خارج هذه المنظومة، ولأن الهويات لا تموت، أشار في آخر أيامه إلى أنه فلسطيني ويريد أن يكون فلسطينياً . ويعبر عن فلسطينتيه تماماً بإبداعه، وهذا مثال صارخ، وهناك العشرات، بل المئات الذين يعبرون عن فلسطينيتهم بجرأتهم وتغريبهم، فنحن أقلية، والأقليات عادة ما تكون أكثر جرأة في التعبير، وأكثر جرأة في القفز والانطلاق، ولهذا تحديات الفلسطيني في الخارج أكبر بكثير عن الفلسطيني في الداخل .
ما ملامح وتحديات المثقف الفلسطيني في الخارج؟
– مشكلة المثقف الفلسطيني في الخارج أكثر تعقيدا مقارنة بالمثقف الفلسطيني في الداخل، فالمثقف الفلسطيني في الخارج عليه أولا أن يقوم بعمليتين متعارضتين، العمل الأول هو الاندماج حيث هو، في المكان الذي يوجد فيه يريد أن ينجز ويتقدم ويفرض نفسه، وعملية الاندماج هذه تفرض عليه أن يتنازل أو أن يقوم بتسويات مؤلمة جدا، لأنه من جهة أخرى، يرى المثقف في نفسه أنه مجروح ويحمل جرحاً تاريخياً، جرحاً نضالياً وحضارياً، ويريد أن يظهره ضمن اندماجه وهذا صعب جداً، ولذلك بسبب رغبته في الاندماج وأن يكون فلسطينياً في الوقت نفسه عليه أن يقوم بتسويات مؤلمة جدا، بأن ينحاز إلى معارك ليست معاركه وقضايا ليست قضاياه، في الوقت نفسه الذي يريد فيه أن يعبّر فيه عن فلسطينيته، وهذه الحالة المعقدة يتخللها في لحظة من اللحظات اشتباه في الهوية والانتماء، انفصام، انشطار، تناقض، عدم وضوح، وأحياناً طيران نحو الحداثة والتغريب والعالمية، ولهذا نفتش في كثير من المثقفين الفلسطينيين في الخارج عن فلسطينيتهم تفتيشا، ونحاول أن نبحث عن فلسطينيتهم ضمن إبداعاتهم، وسنبذل جهداً كبيراً، ومن هنا نعود إلى إشكالية من نقصد بالمثقف الفلسطيني، هل هو فلسطيني الدم أم المكان أم الانتماء .
الانتقال من ميدان المقاومة إلى طاولة المفاوضات، كيف انعكس على الأدب الفلسطيني؟
– أدب ما بعد أوسلو مختلف تماما عن الأدب ما قبل أوسلو، حيث أصبح أكثر هامشية وفردية، ومعبّراً عن الهوية الذاتية، واختفت صورة المقاوم والرموز الوطنية، وأصبح البطل مهموماً مهزوماً ومنشطراً على نفسه . وهو أدب مختلف كلياً وتختفي فيه المقاومة، وتكثر فيه الأسئلة، والشك والهواجس، أدب متمركز حول الفرد وهمومه ويتجنب الاشتباك، ويحاول أن ينفتح على الثقافات الغربية، وأن يكون ما يسمى بالحداثي، وهي كلمة غامضة جدا ولكنها تستعمل .
ماذا عن الدور الذي لعبته الثقافة العربية في مسيرة الانعطاف هذه؟
– النظام العربي الرسمي وعلى مدار طويل جداً من الزمان، كان اقترابه من القضية الفلسطينية اقتراباً حذراً ومحسوباً ومرتبطاً بالمواقف الاستعمارية الكبرى، وبالتالي لم تكن الأنظمة العربية الرسمية تتبنى القضية الفلسطينية كما يجب أن تكون، ولم تقدم لها الدعم الحقيقي أو الكافي إطلاقاً .
والمبدع العربي أيضاً قام بعمليتين مختلفتين، بمعنى أن عنده من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ما يكفي ويزيد، وكان مشتبكاً مع مدينته ونظامه، وكان يحلم بالقيم الغربية المعروفة، كالديمقراطية والحقوق والمساواة، وبالتالي المبدع العربي رأى أن التحرر الاجتماعي والسياسي كفيل بتحرير فلسطين، وهذه المقولة حكمت العمل الثقافي العربي طوال مدة من الزمن، ولكن الهزائم الكبرى، ومنذ عام ،1967 جعلت المثقف العربي أيضاً ينكفئ على ذاته أيضاً، وبرأيي انه منذ ذلك التاريخ تشرذم الأدب العربي وتفتت، وذهب أكثر نحو تقليد الغرب من دون البحث عن مقولته الأساسية . وأريد أن أكون صريحاً في ذلك، فبرأيي أن المقولة الفنية العربية في العقود الأخيرة، عبّرت عن الغرب أكثر مما عبّرت عن نفسها، وكانت تقليداً أكثر منه إبداعاً، وهذا يظهر جلياً في الفن التشكيلي والغناء والمسرح والرواية أيضاً .
نحن في حالة انحدار حضاري، والفن العربي في انحدار، ولم تقدم مقولات كبرى بتاتاً، وإذا أردنا أن نعرف أزمة المقولة العربية يكفي أن ننظر إلى الشعر، وصل الشعر العربي إلى طريق مسدود، والقصيدة العربية بسبب أنها لا تحمل شيئاً جديداً، عبّرت من تلقاء ذاتها عن الانحدار، أنظر كيف هدم البيت القديم من دون أن يبنى بيت جديد، وكأن القصيدة أصبحت انتحاراً تحت ذريعة الحرية والنقد والبحث عن جديد، وأدونيس قاد هذا التيار ولكنه لم يقدم بديلاً . وهذا الهدم كان تعبيرا عن فكرة الانحدار والهزيمة والانتحار . فالمنهزم يبخس جداً ما لديه دون أن يجد بدائل، والقصيدة العربية كانت تاريخنا وديواننا، أما الآن فهي ليست لا تاريخنا ولا ديواننا إطلاقا . وأصبحت هذياناً وتيهاً .
هل ترك الانقسام الفلسطيني أثره في مسيرة الفكر الفلسطيني؟
– المثقف الفلسطيني تعددي أولا، فالحركة الثقافية الفلسطينية منذ بداياتها كانت متعددة، وكان فيها الشيوعي والإسلامي والقومي، عبدالرحيم محمود، محمود سيف الدين الإيراني، خليل بيدس، أبو اقبال اليعقوبي، محمد إسعاف النشاشيبي، خليل السكاكيني، كلهم يعبرون عن تيارات فكرية مختلفة، وفي العشرينات كانت التيارات الفكرية عريضة جداً، وفي الستينات كانت الحركات الثقافية في معظمها يسارية، وكان اليسار منتصراً ويصول ويجول، وفي السبعينيات والثمانينات بدأت التيارات الإسلامية تعبر عن نفسها، وهكذا كان . أما الآن فهناك تعددية وإن كان نصيبها الأكبر نحو الانفتاح والحداثة، معظم المثقفين الفلسطينيين يريدون أن يكونوا متواصلين مع المفهوم الحداثي والعالمي والإنساني، وهذا كلام فارغ، لا معنى له ولكنها الموضة الثقافية .
أتى الانقسام الفلسطيني ليعزز فكرة الإسلام والعلمانية، ومرة أخرى نبحث عن صراع، ولهؤلاء اوجه سؤالي: هل نحن نعيش عيشة علمانية؟ هل نتمتع بخيارات العلمانية؟ نحن محتلون بأسلحة العلمانية وفكر العلمانية، والفكر الليبرالي الذي نقاتل من أجله هو الذي يحتلنا، فالليبراليون الاستعماريون الذين صدروا لنا فكرة الليبرالية، لنقاتل من أجلها هم الذين يحتلوننا باسم الليبرالية وباسم الحكومة الديمقراطية وباسم العلمانية أيضاً، وبالتالي برأيي عندما تصبح ضعيفاً ومهزوماً، تصبح لا تصدق دمعتك وجرحك إلا إذا صدقه الآخرون، وهكذا ستستصغر دمعتك لأن الآخرين استصغروها . وهذه قمة الضعف والهشاشة وعدم الأصالة وعدم الإيمان بتراثك وعقائدك . بمعنى آخر لأننا منهزمون أصبحنا حتى ونحن نُقتل نريد للتلفزيون أن يصورنا حتى يصدق العالم أننا مقتولون وهذه قمة الهزيمة .
أين تقف روايات أحمد رفيق من هذا التشرذم الفكري والأيديولوجي على الساحة الفلسطينية؟
– كي أكون صريحاً مع نفسي، أصبحت أكثر حِدّة في التعبير عما أؤمن به، ولكن لأنني رجل كتاب، لم أضع أفكاري جميعها في كتاب واحد، في منظومة واحدة تعبر عن نفسها، وإنما شرحتها على امتداد رواياتي، أصبحت أقترب أكثر من أفكاري، وهو ما زاد قربي من اللون المسرحي، لأن المسرح يمنحني تقشفاً في الكلام .
وحتى أكون دقيقاً، لم يعد يبهرني الغرب إطلاقا، ولم أعد معنيا أن أقنع الغرب بشيء، واصبحت أذهب نحو عروبتي وتراثي الإسلامي أكثر، بمعنى استنهض في كتاباتي شخصيات تاريخية، أملأها بما أفكر فيه وأعتبرها عملية تحايل كبرى، أعبر من خلالها عن أفكاري وعني أنا العربي المسلم الذي يعيش في مكان يبدأ التاريخ به، ولهذا أقول إن العلمانية لا تعجبني، ولا تعجبني فكرة الدولة الديمقراطية ولا الليبرالية، وأنه يكفي كذباً علينا .
ولا يعجبني فكرة أن اتكلم بأسلوب الأوروبي، فأنا لست أوروبيا ولن نكون متشابهين، ولم أعد اريد أن أبني مدينتي على طراز أوروبي وآكل وأشرب كأوروبي وألبس كأوروبي .
وقد يسأل سائل: ما هو البديل؟ البديل أتلمسه ببطء وخجل وتوجس، ولهذا أنا روائي ولست مفكراً . ما أعرفه أنني لم أعد أريد النمط الغربي، فأنا أقتل بيد الغرب، واحتل باسم الديمقراطية .
ما تقييمكم للمشهد العربي الحالي في ظل ما نشهده من تغيرات؟
– المشهد العربي حتى اللحظة تقييمه صعب، نحن في مرحلة الانعطاف، ونحن على مسرح الربيع العربي وليس خارجه، وما دمنا على المسرح فلن نرى الصورة كاملة، ولكن هناك ملاحظات عدة: الملاحظة الأولى هي اختفاء الصوت العربي الموحد، فهذه الثورات تعبر عن قطريات وجهويات وعرقيات وإثنيات وهذا خطر، الملاحظة الثانية أننا لا نسمع صوتاً واضحاً وحازماً وقوياً ضد “إسرائيل” والعلاقة مع “إسرائيل” وهذا مقلق، النقطة الثالثة أن هذه الثورات في معظمها لا تحمل أفكاراً كبرى، والثورات التي تصنع التاريخ تحتاج إلى شعارات كبرى موحدة، وهذا ما تفتقد إليه ثورات ما يسمى الربيع العربي للأسف .
وما يقلقني أيضاً أن هذه الثورات أغلبها قريبة من الغرب الاستعماري، الذي ساعد وواكب ولاحظ ودعم بعض أو كل هذه الثورات، وهذا خطر جداً .
والملاحظة الأكثر خطورة، أن الثورات أعادت إلينا الانقسام القديم، الانقسام الذي شهدته بدايات القرن الماضي، وهو الحديث عن العلمانية والإسلام، والدولة المدنية والدولة الدينية، وكأن هناك مشكلة بينهما، وهذا كلام فارغ ونقاش مشكوك فيه حسب رأيي، وأدعي أنه نقاش غربي، فالإسلام يطرح فكرة الدولة الدينية والمدنية، وليس هناك وجود لمفهوم الدولة بالمعنى الغربي في ثقافتنا، ولم يكن هناك أبدا تصنيف ما إذا كانت هذه دولة دينية أو مدنية، فالإسلام اخترع مفهوماً جديداً ومختلفاً، ولم يفرق بين السياسة والدين، والسياسة الشرعية وسياسة المجتمع تنبعان من أطر تشريعية كبيرة لا يمكن القفز عليها إطلاقا، وفكرة الدولة التي تعتمد على الحقوق والليبرالية والمساواة، هي أفكار ليست ضد الإسلام، فالإسلام يطالب بالمساواة ويطالب بالحقوق المدنية .

تأجيج النزعة الطائفية

الإعلام العربي بعد الربيع العربي، أصبح كثيراً كثرة مريبة، أصبح وكأن كل هوية تريد إعلاماً أو كل إعلام يبحث عن هوية، هذا تعدد مريب، فأن يكون هناك في بلد 80 أو 50 قناة، يكون الأمر مريبا، ويطرح سؤال من يبحث عن الآخر، هل هذا للتفكيك أم للتجميع؟ ولا ننسى أن هذه القنوات الإعلامية ممولة، وهذا يريب أكثر، والمسألة الأخرى أن هذا الإعلام أصبح يعبّر ويركز على الفروق الطائفية العجيبة، فاكتشفنا أننا طوائف وطوائف متحاربة، وكأن النظام الديكتاتوري جيد، وكأنه كان يحافظ على هوية موحدة .
ولنأخذ العراق نموذجا، بعد عقد من انهيار نظام صدام حسين، الإعلام لم يقم بتجميع البلد وتوحيدها، بل فعل العكس تماما، وهذا يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا في الدول الأخرى .
وهناك مثال سوريا، التي أصبح فيها نحو عشر أو اثنتي عشر قناة للمعارضة، ألا يكفي قناة واحدة؟ هذا يدل على أننا سنفكر باثنتي عشرة قومية في سوريا؟ لا سمح الله .
وأيضاً فلسطين المحتلة، كم قناة في فلسطين وهي تحت الاحتلال؟ هل نحن بحاجة إلى كل هذه القنوات؟ هل هذه القنوات تجمع الفلسطينيين على هدف واحد أم تفرقهم إلى أحزاب معينة؟
وقد يقول قائل نحن نحتاج إلى اختلاف من أجل نتفق، كما يحدث في كل الشعوب التي تختلف وتدفع ثمن اختلافها، ثم تكتشف أن التجمع أقل الحالات تكلفة، فهل هذا ما سيحدث عندنا؟ وهل سنحتاج إلى مئة سنة لنكتشف ذلك؟ إذاً هل نتحدث عن مئة سنة من الخراب؟ حتى أكون صريحاً وهذا ما أدرّسه لطلابي، الإعلام بعد الثورات لا يبشر بالخير بتاتاً، أراه إعلاماً مغرضاً ومشبوهاً ومملوءاً بالحقد والكراهية، ولا يقول كلاماً موحداً إطلاقاً .
– 

– الخليج

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *