د. صلاح فضل *
فاجأتني ثورة يناير المدهشة بما لم أكن أتوقعه خاصة من الشباب، تابعتها مثل الملايين بلهفة وإشفاق، كنت أدعو بشراسة للتحول الديموقراطي. أذكر آخر مؤتمر للمثقفين قبيل يناير بأسابيع قليلة، حضرت متأخراً وجلست أستمع إلى ملاحظاتهم الهامشية ومطالبهم الصغيرة حتى ضقت ذرعاً بنفسي، فطلبت الكلمة من الصديق الدكتور عماد أبو غازي الذي كان أمين المجلس الأعلى للثقافة حينئذ، فتجاهل طلبي ثم قال إنه سيعطيني الكلمة في الختام، انفجرت في الحضور قائلاً إنهم يعيشون في عالم آخر لا يدركون نبض الشارع ولا يجسدون حلم مصر الحقيقي في التحول الديموقراطي الذي يجب أن يكون مشروعنا القومي الحقيقي، ذهل الجميع وهم يرمقون الوزير فاروق حسني الجالس في الصدارة. كان من الواضح أنهم أدركوا التحدي فتواطأ بعضهم بالصمت ولامني البعض الآخر على صراحتي. مع ذلك لم أكن أتصور أن الساعة قد اقتربت إلى هذا الحد. وكان أبناء جيلي لا يعرفون شيئاً كثيراً عن هذا العالم الافتراضي الجديد.
تابعت الثورة بشغف عبر شاشات التلفزيون، ولأن اشتغالي بالسياسة قبلها كان نظرياً أكثر منه ممارسة عملية ميدانية، فلم أصبح ناشطاً ولم أدخل الميدان مثل زملائي من زعماء حزب الجبهة الديموقراطية الذي شكلناه قبل بضع سنوات.
بعد ثلاثة شهور من بداية التحول الكبير دعاني الصديق جمال الغيطاني إلى لقاء موسع مع فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر لبحث الأوضاع الراهنة. كنت أعرف أن جمال تربطه صداقة وثيقة بالإمام الأكبر لنزوعه الصوفي وعشقه لابن عربي. فسألته عمّن سيحضر اللقاء فذكر لي بعض الأسماء وأوصيته بدعوة آخرين ممن أتوقع منهم إسهاماً إيجابياً في التفكير والمشاركة. اهتديت إلى فكرة محورية تستجيب لشواغلي الثقافية والوطنية من ناحية ولبعض التجارب التي مررت بها من ناحية أخرى. وهو أن مصر مقبلة بالضرورة على اجتياز تجربة ديموقراطية لابد أن تكون أهم أهداف الثورة الوليدة، وقد شاركت جماعات الإسلام السياسي من إخوان مسلمين وسلفيين وغيرهم في بعض موجات الثورة المتأخرة دون رفع أية شعارات في البداية تقية وخوفاً، ولأننا جميعاً نعرف مدى تغلغلهم في أحشاء الشارع المصري وخداعهم للعوام باسم الدين، فقد كنا جميعاً نخشى من تغلبهم في أول انتخابات حرة نزيهة، ونوهم أنفسنا بأن حجمهم الحقيقي لا يتجاوز 25% من مجموع الأصوات..
من ناحية أخرى كانت لي تجربة ثقافية وسياسية جميلة في مكتبة الإسكندرية منذ شاركت في منتدى الحوار بها وعقدنا مؤتمرات الإصلاح منذ عام 2005، حيث أسهمت مع الأحبة إسماعيل سراج الدين وسيد يس وجابر عصفور وأسامة الغزالي حرب في وضع وثيقة الإسكندرية لتأسيس أهم دعوة للتحول الديموقراطي. لهذا خطر لي أن أعرض خلال اجتماعنا مع شيخ الأزهر إصدار وثيقة مشابهة، توضح علاقة الدين بالدولة من منظور متحضر مستنير تكون نموذجاً للفكر المعتدل الذي يستوعب جوهر الدين الثقافي، ويرقى لمستوى تحديات العصر ويقي مصر والوطن العربي كله شر التطرف الجاهل
– الاتحاد
* ناقد من مصر