بــلاسيبــــــــــو!


شذى غرايبة *

( ثقافات )

“اليومَ لن أرافقَ كولومبوس في رحلته،
وسأمكثُ بانتظارِ بنات نعشٍ يُحيننا ويَضعننا على أول درب التبّانة، فتمشين وأمشي..
وإذا شعرتِ بالجوع يا صغيرتي فما عليك سوى أن تقضُمي غيمة! فعمّا قريب سيختفي الأزرق من عينيك وسيسكنُهما البياض .
اختاري ما شئت من النجمات لأهيئ لك متكئاً ، وسنتّخذُ ممّا تَسِحُّ الغيوم شراباً بعبق النرجس.
سيتلاشى هذا الوجع بعد قليل ..
وسنسترق النظر عبر شقوقِ في نوافذ الذاكرة إلى أحلام صغيرة تداعب مخيلة طفلة قرأت من القصص والحكايات ما جعلها تنسج لنفسها واحدة تكون بطلتها دون أن تدرك عواقب ذلك.
لن تزعجك الأسئلة بعدُ يا رفيقتي ، ما من فوضى ، وسنفرغ من لعبة البحث عن السراب حيث خطيئتنا الأولى لنكتشف في الوقت الضائع أن الحقيقة فينا : (وفي أنفسهم أفلا يبصرون).
الآن أنا أرغب فقط بنوم عميق يطول إلى ما بعد الأحلام ، وأريد بعدها أن أستيقظ على ذاكرة تعبق بالياسمين!
كل الغيمات تقف هناك،
تتزاحم ولا تقبل أن تنتظم بالدّور؛ تلك ترتّب شعرها، وأخرى تتأكد من رونق مكياجها ، وثالثة تضع شالاً محاكاً من بتلات الدّحنون على أكتافها ، تتنافس أيّها ستقلّنا في نزهتنا الأولى فوق بابل.
كَرُمَ السحاب ،
ومرّ ببياض يلوح بين جنباته تموّجٌ رمادي يثير في النفس إحساساً بالبرد يطغى على كل الأشياء . يبدو الاحساس بالبرد أحياناً حاجة ، بل ضرورة مُلحّة ، نشتاق للمطر ولحبّات البَرد لنقبع خلف جدرانٍ تضم في داخلها دفء يُلملم داخلنا المُبعثر .
وها أنا أرقب خيوط المطر تتسابق لمعانقة الأرض العطشى ، ثم لتفتت الصخر المتجبر في أحشاء الأرض ينغرس فيها فلا يجعل لها مخرجاً ، وشيئاً فشيئاً يغزونا الربيع وتطير الفراشات ويزهر الدّحنون وينتشر بنفسج بخور مريم متتبّعاً خطى الثلج راسماً محوراً جديدا لدوران الأرض ؛كانت تدور حول نفسها وأصبحت تدور حولي.
تقدُّمي نحوكِ شلاّل جارف.
يسحبني معه إلى مجهولٍ ، ويجعل مما حولي هباءً منثورا.
أحاول التملص عبر ذاك الزقاق الضيق المؤدي إلى الذاكرة؛ حيث أنتِ كما التقيتك أول مرّة ، وأحترق في كيمياء اللقاء الأول!
دعيني أبدأك ابتسامة؛ رغبة في يخضور يدفع بالتفاعل نحو الأكسجين ، أو رغبة حياة..
كوني اللوحة التي أرسمها كما أشتهي لهذا المساء.
******** 
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، وغرفة الطوارئ المكتظّة فقدت وعيها ، وكلّما اتّخذ السائل المغذّي طريقه في وريده تشكّلت الغيوم فنّاً واستحال الشفقُ شراباً !
هذا الغريب الواصل بحالة هذيان كما يشير التقرير الأولي لم تبدُ عليه أيّة إصابات أو كدمات، كما أن الفحوصات الأولية تشير إلى معدلات طبيعية وكل ما قاله للطبيب المناوب حال وصوله: اشتقت لها فهل من دواء؟
* قاصة من الجيل الجديد في الأردن

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *