أُغْنِية حُب لألفرد بروفروك



توماس ستيرنز إليوت

ترجمة :نور باهر*



لِنَمْضي إِذاً، أَنْت و أَنا
حِيْنَما يَجْتَاح المسَاء السّمَاء
مِثل مَرِيض مُخَدر عَلى طَاولة للعمَلِيات
لِنَمْضِي، فِي الشوارِع نصف المهجُوْرة
مَلْجأ الهمز واللمز
لَلْيال مؤرقَة فِي فُنْدُقة رَخِيص لِلَيلة وَاحدة
والمطَاعِم المفرُوْشَة بِنشَارة الخشب وأَصْدَاف المحار :
الشوارِعُ الّتي امتَثلت مِثل حُجّة مُضْجِرة
بِنَواياً خَبِيْثة
لِتَقودك إِلى سُؤالٍ مُلح
آه، لا تَسْأل “مَا هو؟”
دَعْنا نَمْضي، ونَقم بِزيَارتنا

*** 

في الحجرة، النسَاء ذَهاباً و إِيَاباً
يَتَحدثن عَن مَايكل أنجلو
الموت* الذي يَهرش ظَهْره عَلى زجَاج النوافذ،
الموت* الذي يَحْك أَنْفه عَلى زُجَاج النوافذ،
يَمْسح بِلسَانه زوايا المساء،
يَتَسكع فوق البرك الّتي تَجَمعت فِي المصارف المياه،
يَتْرك السخام المتنَاثِر من المداخن يَسْقط فوق ظهره،
إنزلق عَبر الشرفة
قَفز فَجْأة،
و عِنْدما رَأى أَنها لَيْلة مِن لَيالي أُكْتوبر الساكِنَة
تَكَور عَلى نَفْسِه جِوَار المنزِل، و نَام

**** 

مُؤكد سَيَكُون هنَاك وَقْت
الموت* الّذي يَنْزلق عَلى طُول الشارع
فَارِكَاً ظَهْره عَلى زجَاج النوافذ
يَتّسع الوقت .. يَتّسع الوقت
لِتُعِد وَجْهًا تُقَابل بِه الوجُوه الّتي تَسْتَقْبلها،
سَيَكُون هُنَاك وَقْتٌ لِتَقْتل و تُلَفْق،
و وَقْت لِجَمْع الأعمَال و أَيَام للسيطَرة
الّتي تَكْشِف سُؤالاً ثُم تُلْقِيه فِي طَبَقك،
زَمْن لك، و زَمن لي
و زَمْن أيضًا لِمئة حِيْرة
ولِمئة رُؤيا و تَنْقِيح
قَبْل تَنَاول قِطْعة خُبْزٍ وشَاي

**** 

في الحجرة، النسَاء ذَهَاباً و إِيَاباً
يَتَحَدثن عَن مَايكل أنجلو

حَتمًا هُناك وقت
لأتسَاءل، “هَل أجرؤ؟” و “هَل أجرؤ؟”
وَقْت لأنسَحِب وأَنْزل الدرج؛
بِبُقْعة صَلْعاء فِي وَسَط شَعْري
“سَيَقولون: مَا لِشَعْره وَقَدّ بَدأ يَخف !”
ومَعطفي الصباحي، ويَاقَتي المحكَمَة إِلى ذَقْني
رَبْطَة عُنقي الأنِيْقة البسِيْطة، لَكِنْها ثُبتَت بِدَبوس عَادي
“سَيَقولون: يَا لِرفع ذِرَاعيه و سَاقيه !”
هل حقاً أجرؤ،
على تَكْدِير صَفْو الكون ؟
في الدقِيْقَة يَكْمُن وَقْت
لإتخَاذ القرَارَات و الترَاجُع عَنْها، حَيْث سَتعكسها الدقَائِق

ذَلك لأنني قَد عَرفتهم جَمِيعًا بِالفعل، عَرفتهم كلهم:
قَد عَرفت الليَالي و الصبَاحَات و الأصَائِل
لَقَد قوّمت كُل حَيَاتي بِمَلاعق القهوة
أَعْرف الأصوات الّتي تَتوارى بخطوٍ خَافت
خَلْف الموسِيقى الآتية مِن غُرفة بَعِيدة
فَكِيف أَفْتَرض إذاً؟

و لَقَد عَرفت العيون بِالفعل، عَرَفْتها كلها
العيون الّتي تُحَددك فِي عِبَارات مَصُوغة
و عِنْدما أَكُون وُضِعْت، مُتَرام الأطرَاف عَلى وَتَد،
عِنْدما أَكُون مشتبكاً ملتوياً على الحائط
كَيْف إِذاً أبدأ
لِبَصق كُل النهَايَات الحمقَاء لممرَاتِي و أَيَامِي ؟
و كيف أجرؤ ؟


**** 

وبالفعل لَقد عَرَفْت الأذرع، عَرَفْتها جلها
أذْرع مُسَوّرة، بَيْضَاء و نَقِية
(لَكن تَحْت ضَوء القنديل، تُكسى بِزَغب بُني خَفِيف)
أهو عِطْر الفستان
هذا الّذي يَجْعلني أَفّر مُسْتطرداً؟
أَذْرع مُمَددة عَلى الطاولِة، أو تَلْتف بِشَال
و كَيْف لِي أَن أفترض؟
و كيف يَجِب البدء؟

***

أَيفتَرض أَن أَقُول : أَنني ذَهَبْت فِي عَتْمة الليل فِي شَوارع ضَيقة
و شَاهَدْت الدخَان الّذي ارتَفَع مِن أَنَابِيْب
الرجَال الوحِيْدين بِأَكْمام طَويلة، يُطِلون مِن الشبَابِيك؟
كان يَجِب أن أَكُون بِمْخلبين أَشْعَثِين
يَخْمِاش قِيْعان بِحَار الصمت

و فِي المغرب، العشاء، ينام بسلام !
ممهد بِأَصَابع طوال
نَائِم .. تَعِب.. أو مُتَمَارض
مُمدد عَلى الأرض هنَا بِجوارك، و جواري

أيجب عليَ بَعْد الشاي، و الكعك، و الثلج
أن أَتَحلى بِالقوة لِدَفع اللحظة إلى حَيْث الفاجعة؟
لَكن .. و بِرُغم أَني قَد بَكِيْت و صُمت، بَكِيْت و صَليِت
رُغم أَني رَأَيْت رَأْسي (المتآكل مِن الصلع) مَجْلُوباً عَلى طَبق
فَأنا لَسْت نَبياً، وهَذا لَيْس مُهماً
فَلقد رَأَيْت لَحْظات مَجْدي تَشْتَعل
و رَأيت الغول* يَحْمل معطَفِي و نِعَالي
و للحظَة إرتَعَبْت

و هَل يَا تُرى كَان الأمر يَسْتَحِق، بَعْد كُل هذا؟
بَعْد الأكوَاب، و المرَبى، و الشاي
بين أَطْقُم الخزَف، وحَدِيثاً دَار بَيْني وبَيْنك
أَتُراه كَان يَسْتَحِق و لَو قَلِيلاً
أَن تُقَاطِع الحوَار بابتِسَامة
أن تُلَخّص العالم فِي كُرَة
لِتُدَحْرِجها فِي مَرْمى سُؤال مُلحّ
لِتَقُول : “أَنا لازاروس*، قَادِم مِن الموت
عُدْت لِأُخبِرَكم جَمِيْعاً، يَجِب أَن تَعْرِفوا كل شَيء”
إِن كَانت واحدة، أَسْنَدَت رَأْسَها إِلى وِسَادة
يَجِب أَن تَقُول: ” لَيْس هَذا مَا قَصَدته أَبداً، لَيْس هَذا عَلى الأطلاق”

و هَل يا تُرى الأمر كَان لِيَسْتَحِق، بَعْد كَل هَذا،
أتراه كَان يِسْتَحِق ولَو قَلِيْلاً،
بَعْد لَحظَات الغروب، و الأفنية و الشّوارع المتَنَاثِرة
بَعْد الروَايَات، بَعْد فَنَاجِين الشاي، بَعْد التنَانِيْر الّتي جُرت عَلى طُول الأرض
بَعْد هَذا، و غَيْره الكثِيْر الكثَيْر؟
من المستَحِيل أَن أَتْلفظ بِمَا أَعْنِيه!
و كَما لَو أَن المصبَاح السحري قَذَف الأعصَاب رُمُوزاً عَلى الشاشَة
هَل كَان الأمر يَسْتَحِق العنَاء؟
ولَو أَن وَاحِدة مُتْسَتْلقيه عَلى وِسَادة أَو مُتَوشحة بِشَال
وتَسْتَدِير صوب النافِذَة، يَجِب أَن تَقُول:
“هَذا لِيْس المقصُود أبداً،
لَيِس هَذا مَا قَصَدته، عَلى الإطلاق”
***
لا ! أَنا لَسْت بِالأمير “هاملت” و لا يَعْنِيني أَن أَكُون
مَا أَنا إِلا نَبِيْل مِن حَاشِيته، نَبِيل يِفي بِالغرض
لِيُحْرز تَقَدماً، يُقدم مَشْهداً أو مَشْهدين
يُشِيْر عَلى الأمير، طَبْعاً، أَداة سَهْلة الإنقِيَاد
مُحْتَرم، سَعِيد كَونه نَافِعاً للآخَرِيْن
سِيَاسي، حَذِر، حَذِق
يَتحدث بِعُلو وكِبْرِياء، غَامِض قَلِيلاً،
أَحْيَاناً، فِي الغالب، يَكُون سَخِيْفاً
وفِي الغالِب، أو أَحْيَاناً، يَكُون المهَرْج


**** 

إني أَهْرم .. أَهْرم
وسَأَرْتَدي بِنْطَالي مُشَمِراً أَطْرَافه
أَيَجِب أَن أُسرِح شَعْرِي إِلى الخلف؟ أَأجرُوء عَلى أَكْل الخوخ ؟
رُبَما يَجِب أَن أَرْتَدي بِنْطَالاً كَالفانِيْلا أَبْيَضاً، و أَمْشِى عَلى الشّاطِيء
لَقد سَمِعْت عَرَائِس البحر يُغَنين، قَرِيْنَة لِقَرِينَتِها
ولا أَعْتَقِد أَنْهن سَيغَنين لِي
مِن نَاحِية البحر، رَأَيْتهن يَرْكَبن الأمواج
يُمَشطن الشعر الأبيض لِلموج العاتي للخلف
عِنْدَما الرياح تُفَجْر الميَاه البيضَاء و الحالِكَة

لَقَد تَسَكْعنا آنِفاً فِي غُرف البحر
بِجِوار الحوريَات المكَللات بِالأعشَاب البحرِية الحمَراء و البنية
إلى أَن أَيْقَظتنا الأصوات البشَرِية، وغَرِقْنا.

_____________

*الموت : في النص الأصلي “الضباب الأصفر” و هنا بمعنى الموت.
* غول : في النص الأصلي “صاحب القدم العملاقة” و هو معروف أنه يسكن الجبال في القصص الخيالية.
* لازاروس: عزرائيل أو قابض الأرواح عند المسلمين. و الكلمة عبرية الأصل ومعناها “ساعده ربه”. عند المسيحيين – و ما قصده الشاعر- هو شخصية مقدسة معروفة باسم لازاروس، يعتقد أن المسيح أحياه.وتنسب اليه بعض الظواهر الخارقة للعادة مثل ظاهرة أثر لازاروس فى الحيوانات والتي تحدث عندما يعود حيوان للظهور من جديد على وجه الأرض بعد ان كان قد انقرض تماماً.


* مترجمة طالبة أردنية فلسطينية تعيش في الإمارات

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *