*أنور محمد
يرصد كتاب “نظريات فلسفية حول الموت”، لمؤلفه وفيق غريزي، النظريات الفلسفية التي تعاقبت تاريخياً حول الموت، موضحاً أنَّ دراسة الموت في الفكر الفلسفي عموماً نادرة، لأنَّ آخر ما يفكِّر به الرجل الحر هو الموت. فحكمته ليست تأملاً في الموت، بل تأملاً في الحياة. ولكن لا نعدم- حسب المؤلف- نماذج من الفلاسفة، من أمثال : شوبنهاور، ذهبوا إلى أنَّ الموت هو الموضوع الذي يلهم الفلسفة والفلاسفة.
ويشير غريزي، إلى أن النظرة الأورفية للموت كانت شقَّت طرقها إلى الفلسفة على يد فيثاغورث( 572-497 ق.م)، الذي علَّم تلاميذه تناسخ الروح وتطهرها في عجلة الخلود.. ثمَّ عودتها إلى الاتحاد النهائي مع الله. ورأى، أيضاً، أنَّ الروح تُسجن في الجسد وتغادره عند الموت.
وبعد فترة من التطهر، تدخل الجسم مرة أخرى. وهذه العملية تكرِّر نفسها مرات عدَّة. وهو ما يُعرف بالتقمص. وكذا تناول أنكسماندر( 610- 546 ق.م)، الطابع الفاني للأشياء. وبين أنَّ الأشياء تفنى وتنحل إلى الأصول التي نشأت عنها.
وينتقل غريزي، إلى تبيان حقيقة أن أمبادوقليس (495-435ق.م)، اعتقد في الخصوص بما هو مزيج من مبدأ الخلود عند فيثاغورث. إذ يؤكد في قصيدته (التطهر) تناسخ الروح.
ويلخص المؤلف موقف سقراط في رؤيته، ان الإنسان مخلوق متناهٍ وعابر. لكن عظمته تتمثَّل في تقبله لوضعه الإنساني بحسب المسؤولية. وبقوة عارمة للشخصية في مواجهة الموت.
وعلى صعيد الفلسفة الحديثة، يبين غريزي أن مونتاني (1532-1592 )، اعتقد أنَّ طبيعة الموت كفَّت عن أن تكون القضية الرئيسية. فالموت أصبح ينظر إليه على نحو ما يبدو للحس العام- أي باعتباره فناءً شاملاً. وما جيوردانو برونو (1542-1610)، فكان لا تناهي الكون عنده، يشكِّل الصيغة السحرية لاتقاء الخوف من التغير والتحلل والموت.
ذلك بينما كانت العلوم لدى ديكارت ( 1596-1650) هدفاً ووسيلة تسخير الطبيعة لخدمة أغراض الإنسان.. وكان الهدف المراوغ الذي سعى إليه ديكارت في حياته، هو قهر الموت، لا في النفس وحدها، بل في الجسم أيضاً. والعلاج الذي يصفه للشقاء من خشية الموت يتمثل في اقتناعه الجازم بأنَّ أنفسنا تبقى بعد أجسادنا. وأنَّ هذا الاعتقاد قائم لا على تعاليم الدين وإنما على أسباب طبيعية.
والتحول الذي كان بمثابة ضربة شكَّلت منعطفاً حاسماً في تاريخ فلسفة الموت، فهو في رأي المؤلف، محصور في موقف بليز باسكال( 1623-1662 )، الذي قال:” أرى من المفيد ألا نضيع الكثير من الوقت والجهود في فهم أفكار كوبرنيكوس الفلكية، بل أن نعنى بالحرية. بالفكرة القائلة بأنَّ معرفة ما إذا كانت النفس البشرية خالدة أم لا، بعد موت الجسد، هي الموضوع الجوهري الذي ينبغي أن تنصب عليه جهود الفكر في الدرجة الأولى”.
ويلفت غريزي إلى أن الزاوية التي ينظر منها الفكر الفلسفي، ما بعد باسكال، إلى الموت، غدت ذاتية تحاول أن تفهمه على أنه تجربة خاصة، مشيراً إلى أن القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، ذهبا بعيداً في تعميق النظرة الباسكالية الذاتية إلى الموت.
وفي الخلاصة، يجد الباحث وفيق غريزي، أنَّ المقاربة الفلسفية لموضوع الموت سلكت عبر التاريخ الفلسفي الطويل، خطاً بيانياً ترتسم فيه المسيرة من الخارج إلى الداخل.. من التحليل العقلاني إلى المقاربة العاطفية.. من الفلسفة بالمعنى النظري إلى الظهورية.
المؤلِّف في سطور
وفيق غريزي. صحافي وكاتب وناقد لبناني. صدر له أكثر من عشرة كتب، منها: شوبنهاور وفلسفة التشاؤم.
الكتاب: نظريات فلسفية حول الموت/دراسة
تأليف: وفيق غريزي
الناشر: دار نلسن بيروت- 2012
الصفحات: 429 صفحة
القطع: المتوسط
________
*(البيان)