اكتشاف مويان



*محمد إسماعيل زاهر

تنتمي رواية “الثور” للصيني مويان الفائز بجائزة نوبل في العام الماضي إلى الأدب السياسي اللاذع، حيث تدور أحداثها في نهاية حقبة الستينات من القرن الماضي خلال ما عرف بالثورة الثقافية في الصين . البطل الرئيسي في الرواية هو الثور “شوانجين” الذي يعاني إعياء شديداً نتيجة تعرضه لعملية تعقيم فاشلة، فالحكومة تهدف إلى ترشيد الاستهلاك حيث لا يوجد طعام لمزيد من الثيران، في إحالة مباشرة وساخرة إلى برامج الصين الشيوعية المتعلقة بتنظيم الأسرة، ولا يكتفي مويان بهذه الثيمة التي تنتمي إلى الكوميديا السوداء، وانما يحشد في روايته الحوارات المكثفة والأحداث القائمة على المفارقة، التي تعبر في النهاية عن موقف معارض ينجح في التعبير عنه بالترميز أو التصريح .

لم يشاهد معظم سكان القرية التي تدور فيها الرواية سيارة، ويستخدمون في تنقلاتهم الحيوانات، والنخبة تمتلك دراجات هوائية، أما الشخصيات الثلاث الذين يخصصون جلّ وقتهم للعناية بالثيران بتعليمات صارمة من مندوب التنظيم الحزبي المسؤول عن “الكومونة” التي تتبعها القرية، فلا يجدون قوت يومهما وتنتابهم مشاعر شتى تجاه “شوانجين”، فهم يخافون من عقاب الحزب إذا نفق الثور، وأحياناً يتعاطفون مع آلامه، وفي معظم الأحيان يحلمون بمذاق اللحم الذي سيحصلون عليه بعد نفوق الحيوان حتى لو تعرضوا للتوبيخ أو التكدير من قبل السلطات التي لا تريد إلا القليل من الثيران لحراثة الأرض .
في النهاية ينفق “شوانجين” وتصادر جثته ويعاقب القرويون البسطاء ويحرمون حتى من اللحم، وتختتم الرواية بمأساة لم تعرفها الصين حتى عام 1970 حيث تسمم ثلاثمئة فرد بعد تناولهم وجبة فاسدة في حفل نظمته “الكومونة” السابق الإشارة إليها، الأمر الذي أدى إلى وفاة شخص، وبعد التحقيق الذي اهتمت به اللجنة المركزية للحزب الحاكم، اكتشف الجميع أيضاً أن الحيوان لم ينفق نتيجة للنزيف الدائم في أعقاب التعقيم، وإنما لأنه كان مصاباً ببكتيريا “السلمونيلا” التي لا تستطيع درجات الحرارة المرتفعة التي تصل إلى الغليان في الطهي أن تقضي عليها .
إن واقعية مويان ليست صادمة، فهو يضيف إليها في بعض المشاهد ما ينتمي إلى التراث الحكائي الشرقي، حيث يتحدث أحدهم إلى “شوانجين”، أو يصور لنا في مهارة لافتة ما يبدو أنه سيرة خاصة للثور المسكين، مؤسساً بذلك لنوع جديد ومختلف من الأدب السياسي .
إننا أمام كاتب من طراز رفيع لم نتعرف إليه إلا لفوزه بنوبل، ولا تعتبر “الثور” من أعماله الأساسية، ولم نترجم له بعد مرور أكثر من عام من حصوله على الجائزة إلا القليل جداً، ولغة الترجمة رديئة للغاية، ولكنها لا تمنعنا من الاستمتاع بعالم روائي متكامل الأركان، وكلها مؤشرات تؤكد أن مويان روائي يحتاج إلى الاكتشاف في الثقافة العربية .
_____
*(الخليج الثقافي)

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *