*يوسف بوفيجلين
يتسلم الروائي العراقي عباس خضر جائزة هيلدا دومين لأدب المنفى لعام 2013 عن روايته “رسالة إلى جمهورية الباذنجان” والتي تمنحها مدينة هايدلبرغ الألمانية منذ أكثر من عشرين عاما. وسيتم حفل تسليم الجائزة بتاريخ 17 سبتمبر 2013 في مدينة هايدلبرغ.
هذا الحوار مع الروائي العراقي الذي يكتب باللغة الألمانية للغوص معه في خفايا انجازاته الأدبية التي تأثرت بمسيرة حياته، انطلاقا من غياهب سجون صدام ومرورا برحلة شاقة قبل أن يصل إلى ألمانيا حيث يعيش حاليا.
* هل يمكن أن تعرف القارئ بروايتك “رسالة إلي جمهورية الباذنجان”؟
– رسالة إلي جمهورية الباذنجان، هي قصة رسالة حب يرسلها شخص عراقي يعيش في بنغازي الليبية إلى حبيبته في بغداد، ليس عن طريق البريد العادي بل عن طريق سائقي الشاحنات المتوجهين من عمان إلى بغداد. ففي أيام نظام صدام حسين كانت رسائل المهاجرين تقرأ من قبل دكتاتورية البعث، ما أدى إلى ظهور تجارة تهريب الرسائل من وإلى العراق.
*الروية تحكي رحلة هذه الرسالة وهي تتنقل بين أيادي أشخاص ليبيين ومصريين وأردنيين إلى أن تصل إلى العراق، حيث عيون الرقابة على الرسائل لا تنام.
إذن يبدو أن الرواية تستند إلى وقائع حقيقية؟
– جزء كبير منها من الواقع، إذ إن عدد العراقيين في الخارج في التسعينيات كان يقدر بحوالي 6 ملايين. وكانوا يجدون صعوبة في التواصل مع أهلهم، خاصة بالنسبة إلى المطاردين سياسيا. فكان الكثيرون يلجئون إلى سائقي الشاحنات لإرسال أخبارهم إلى عائلاتهم. وكانت العملية تكلف ما بين خمسين إلى مائتي دولار.
أنا شخصيا قمت بإرسال أربع رسائل بطريقة غير شرعية إلى عائلتي، للأسف لم يصل منها إلا رسالة واحدة.
هيئة منح جائزة هيلدا دومين وصفت كتاباتك بأنها “تجمع بين الجدية والهزل”، فهل الهزل هنا محاولة للهروب من الواقع المرير أم أنه سلاح مقاوم لهذا الواقع؟
لنكن واقعيين، الآلام التي يعيشها العالم العربي كبيرة جدا والهزل أو النكتة هي سلاح فتاك من أجل المقاومة. إنها المقاومة بالكلمة لا بالسلاح. وفي تصوري فإن هذا النوع من الكتابة مهم جدا للوصول إلى أكبر قدر من القراء لعرض مواضيع يغلب عليها القسوة والألم.
*الحديث عن القسوة والآلام يقودني إلى سؤال عن فترة سجنك في العراق، ما تأثير هذه الفترة على كتاباتك؟
-من المؤكد أن لها تأثير، فقد قضيت سنتين في معتقلات حزب البعث في العراق. كانت فترة قاسية جدا عشنا فيها التعذيب والإهانة والجوع. وحتى في فترة ما بعد خروجي من السجن، أي حينما عشت كمهاجر غير شرعي، فقد اعتقلت في ليبيا وتونس وتركيا لعبوري الحدود بطريقة غير شرعية. أود القول إن تجربة السجون أعطتني صورة عن أسوء ما يمكن أن تصل إليه قسوة الإنسان. وبالرغم من كل ذلك كنت اكتشف أناسا كانوا يحاولون مصارعة هذا الألم والحزن، بل كنت اكتشف جانبا جميلا من الإنسان. وهذان الجانبان من الإنسان لعبا دورا في تكوين شخصيتي.
*إذن رحلة طويلة من العناء قبل أن تصل إلى ألمانيا، ما سر نجاح عباس خضر في ألمانيا؟
– صعب على المرء أن يحلل أسباب نجاحه أو فشله، لكن في تصوري أن المواضيع التي أتعامل معها كانت السبب وراء ذلك. روايتي الأولى “الهندي المزيف” تتحدث عن المهاجرين غير الشرعيين بين الشرق والغرب. وفي الأدب الألماني هناك القليل من الروايات التي تتناول هذا الموضوع. وقد أخذت تراث الأدب الألماني كمنطلق للكتابة باللغة الألمانية لأخرج إلى العالم بطريقتي الشخصية في الكتابة، إنها عملية مزج بين الحاضر والتاريخ وبين التراث الألماني وروحي العربية. وهو ذات الأمر الذي ينطبق على روايتي الثانية “برتقالات الرئيس” وهي رواية تندرج في إطار أدب السجون. رواية تصور حياة أحد مربي الحمام “مطيّرجي” داخل السجن بعد أن كان يحلم بالطيران كالحمام.
*المقربون منك يقولون إنك تعيش أجواء الليل أكثر من أجواء النهار، هل من تفسير لذلك؟
-صحيح، ربما يعود السر في ذلك إلى فترة السجن، حيث كان مصباح يضيء الزنزانة الواقعة تحت الأرض في كل الأوقات، حتى إننا لم نكن نفرق بين الليل والنهار. أما في فترة خروجي من العراق، فقد كان القلق يساورني طوال الوقت، ما أدى إلى نشوء علاقة قوية بيني وبين أجواء الليل، ليصبح الليل بعدها الوقت المفضل للكتابة.
*ماذا تمثل هذه الجائزة بالنسبة إليك؟
-أنا أديب أعيش في المنفى منذ ما يقارب العقدين من الزمن، وقد كبرت وتشكل وعيي في المنفى وقدمت كل أعمالي فيه ليصبح المنفى ليس مجرد مكان ضياع بل مشروعا أدبيا. ففي المنفى وجدت المكان الذي أصرخ وأبكي وأضحك وأرقص فيه بحرية، ليتحول المنفى إلى أقرب وطن. هنا أقول إن هذه الجائزة نوع من الاعتراف بمنفاي وأدبي.
_________
*DW.DE