قصيدتان لشارون أولـــدز


*ترجمة: ميلاد فايزة وكارن مكنيل

عندما أخبرني

عندما أخبرني، جُلْتُ بِنَظَري على الأشياءِ الصغيرةِ في غُرفتنا،
وجْه الساعةِ بِجانبِ السريرِ، البطاقة البريدية البُنّية القديمة
ذاتِ المرأةِ المُنْحنيةِ على زهرةِ زنبقٍ.
فيما بعد، عندما نزعنا ملابسنا، رأيتُ
سُرّتَهُ العميقةَ، الجِلدَ الرماديَّ المُتغضِّنَ على الصدْرِ مثل أَشَنة،
ومن وراءِ الغشاءِ الرهيبِ لسِتارة الحمّامِ
ناديتُهُ بصوتٍ عالٍ وكأني أُغازِلُهُ
فابتسمَ. لمِس وجهي قبلَ أنْ أطفِئ النورَ
ثمَّ ابتعدَ ثمَّ كانَ ظلامٌ.
كلُّ مشهدٍ فكرتُ فيه
زُرتُهُ مصحوبةً بملاكِ الموتِ،
كلُّ شيءٍ كانَ بارداً مثل الموتِ.
كلُّ مرّةٍ كنتُ أصحو فيها أتمَدَّدُ في نعيم مُتوجِّسٍ
لأشْعرَ بِهِ وأسمعَ تَنهُّداتِهِ وشخيرهِ.
قبْل الشروقِ، خلْفَ الغيوم، صَحا
ليذْهبَ إلى الغرفة حَيْثُ يقرأُ دائماً على الأريكةِ،
ولبُرْهةٍ تبعتُه،
كما كنتُ أَفْعلُ دائماً
وغفوْتُ عليه وهو يقرأُ وقد مدّدَ ذراعَهُ على ظهْري.
عندما فتحْت عينيَّ رأيتُ زهرتيْ خزامى تتباعدانِ عن بعضِهما
في المزْهرية القديمةِ ذاتِ المغارةِ المنحوتة من تلّةٍ
وفيها رجُلٌ يُصلّي، تحت الأرضِ، فيها راعيَّ الخياليّ في الجنةِ الوهْميةِ.
العودة إلى مايو 1937
أراهُما يقفان عند بابيْ جامعتيْهما
أرى أبي يتمشّى
تحْت قوس حجر رمليّ أمْغر
والقرميدُ الأحمرُ يلمعُ وراءَ رأسِهِ مِثل صفائحَ ملتوية من الدَم.
أرى أمي واقفةً عند عمود من الأجرّ الصغير
متأبّطة بعض الكتب الخفيفة
مازال الباب الحديدي مفتوحاً خلفها
وأسنّة رماحه الحادة تتوهّج في هواء مايو
كانا على وشك التخرّج
وكانا على وشك الزواج
طفلان غبيّان لا يعرفان شيئا غير أنهما بريئان و لنْ يسيئا لأحدٍ.
أريد أن أتقدم منهما وأقول لهما توقفا،
لا تستمرا إنها ليست المرأة المناسبة لكَ وهو ليس
بالرجل المناسب لكِ
سترتكبان أخطاء ما خطرت أبداً لكُما على بالٍ
سترتكبان أخطاء في حقّ الأطفال
ستتعذّبان بشكل لم تسْمعا به أبداً
أريدُ أن أتقدمَ منهما تحت شمس نهايات شهر مايو وأقول لهما إنكما ستتمنّيان الموتَ.
يلتفت إليّ وجهُها البشوشُ الجائعُ 
يلتفت إليّ جسدُها الجميلُ الهزيلُ الذي لم يُلمس أبداً 
يلتفت إليّ وجههُ الوسيمُ المتكبرُ 
يلتفت إليَ جسدهُ الجميلُ الهزيلُ الذي لم يلمس أبداً 
لكني لا أقول شيئاً. أريدُ أنْ أعيشَ.
أشدّهما مثل دُمْيتين من ورقٍ
وأخبطهما بِبَعْضٍ
مثل رقائقَ صغيرة من حجر الصوّان
وكأني أريدُ أن أقدحَ ناراً من جسديْهما
أقولُ لهما افْعلا ما شِئتُما
ولي أنْ أحْكِيَ الحكايةَ كلَّها.
—————————————————————————————————————————————————————————-
ـ شارون أولدز شاعرة أمريكية بارزة ولدت سنة 1942. فازت بجوائز أدبية مرموقة مثل جائزة بوليتزر وجائزة تي آس إليوت. 
ـ ميلاد فايزة شاعر ومترجم وأكاديمي تونسي يعمل في جامعة براون بولاية رود أيلاند بالولايات المتحدة
ـ كارن مكنيل مترجمة أمريكية وباحثة في اللسانيات واللغة العربية 
__________
* (القدس العربي)

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *