حوار : فاطمة عطفة *
تتنوع تجربة القاصة الإماراتية عائشة الكعبي لتشمل أكثر من حقل إبداعي؛ فهي علاوة على كتابتها القصة القصيرة، إعلامية وفنانة تشكيلية ومترجمة وناشرة، أخذت على عاتقها منذ فترة أن تقدم وجوهاً إبداعية شابة، لأن الشباب، حسب ما تقول، لديهم مشروع يستحق أن يتابع، من جديدها المتمثل في تأسيسها دار «اقرأني» للنشر والتوزيع، بدأ هذا الحوار.
تقول عائشة الكعبي عن مغامرتها النشرية الجميلة: «جاء هذا المشروع تجسيداً لرغبة داخلية بأن أترك بصمة في هذا العالم الثقافي، مع أن الكثيرين يعتبرون أن مشروعاً كهذا غير ربحي، لكنني لا أفكر بالربح المادي، وعندي أن ولادة كتاب جديد تعادل أشياء كثيرة أهم من المال، وإلى الآن وصل عدد أبنائي الذين صدروا عن الدار أكثر من عشرين كتاباً. كل كتاب جديد يصدر عن الدار هو بالنسبة لي فرحة كبيرة، وأنا في منشوراتي أركز على الشباب، لأنهم فعلاً أصحاب مشروع جديد في الكتابة. عندهم رسالة تستحق منا أن نوصلها. لا يهمني أن أنشر لأسماء معروفة فقط».
وعن منشورات الدار وجديدها تشير عائشة: «صدرت عن الدار مجموعة من الكتب منها: «انعتاق» وهو مجموعة قصصية لعبدالرحمن سعد من السودان، و «ثلوج مشتعلة» وهي مجموعة شعرية للإماراتي عبدالله السوادي، و«أربع ساعات في أبوظبي» نصوص سردية للسعودي عبد الله زايد، وهناك ترجمة لكتاب من الدنمارك مع ترجمات لقصص عالمية لأهم الكتاب. أما الجديد فهو عمل روائي لكاتبة من السعودية اسمها تهاني، تتحدث الرواية عن المجتمع السعودي ومعاناة المرأة اليتيمة كيف يستعبدها الزوج لأنها يتيمة، من هنا تبدأ المعاناة، إن مجرد وفاة الأب تؤدي إلى ما لا حدود له من الظلم مع المرأة، عمل جميل يستحق النشر والنجاح. وهناك إصدار لحصة العامري وهي تكتب في مجلة الغربية سيكون أول كتاب لها يضم نصوصا شعرية، حصة قلم إمارتي يفتخر به ولغتها جميلة وثقافتها واسعة».
قصص وراء القصص
ونتوقف مع الأعمال الأدبية للكاتبة، تقول: «رصيدي عدد من الإصدارات، بدأت بمجموعتي الأولى من القصص القصيرة بعنوان «غرفة القياس»، كانت قد صدرت الطبعة الأولى منها سنة 2007، المجموعة الثانية هي قصص قصيرة جدا بعنوان: «لا عزاء لقطط البيوت» فازت المجموعة بالمركز الأول بجائزة المرأة الإماراتية للثقافة والأدب والفنون عام 2011، وهذه المجموعة صدرت عن دار «أزمنة» كانت أول تجاربي في كتابة هذا النوع من القصة، أعتقد أنني أول إماراتية كتبت القصص القصيرة جداً. ثم أصدرت كتابين، أحدهما ترجمة لشعر عالمي، بعنوان «ربات الشعر»، والثاني قصص مختارة لكتاب أحب كتاباتهم، وجاء عنوان الكتاب: «كيف كتبت الرسالة الأولى»، وكنت استلهمت ترجمة هذا الكتاب من مختارات لمجموعة قصص كان كتبها «إتالو كالفينو» ، تشيخوف، طاغور، كبلينغ وغيرهم، لكن سر شغفي ومحبتي للترجمة سببها كان عندما كنت في أميركا وقعت تحت يدي مجموعة قصص مختارة للكاتب الإيطالي كالفينو لم تنشر في حياته، وهي قصص عميقة جدا فلسفيا، بعنوان: «أرقام في الظلام»، عندما قرأتها شعرت بالكثير من الفائدة والاستمتاع بها، لذلك رأيت أن من المهم أن يترجم هذا الجمال والعمق بحيث يصل للقارئ العربي، من هنا جاءت ترجمة كتاب «كيف كتبت الرسالة الأولى».
وحول الفارق بين ترجمة الشعر وغيره من الأنواع الأدبية توضح عائشة: «فرق كبير بين ترجمة القصة القصيرة والشعر. في «ربات الشعر» تبنيت أسلوباً يمكن أن ينتقده البعض، فأنا لم أترجم فيه الشعر حرفياً، لأني أعتقد أن القارئ العربي ليس محتاجاً إلى ترجمة حرفية. ترجمة الشعر كانت صعبة، لأنني كنت أريد أن أحافظ على الفكرة الموجودة وأستخدم في الوقت نفسه كلمات تحمل شاعرية، لأن الشعر في لغته الأصلية له وقع موسيقي، وبالترجمة لا بد أن يظهر هذا الوقع الموسيقي».
حكايا الشعوب.. تتشابه
وتوضح عائشة الفكرة التي تكمن خلف مجموعتها القصصية «لا عزاء لقطط البيوت»: «هذا الكتاب الأخير عبارة عن تجربة إبداعية وبحثية. كنت أفكر أن الإمارات أصبحت ملتقى ثقافات العالم، لكن أيضا كنت أتساءل هل هذه الثقافات تتداخل مع بعضها بعضاً؟ من هنا جاءت فكرة الثقافات التي تنبع من القصص الشعبية والأساطير، بحيث جمعت هذا الكتاب من مجموعة من قصص شعبية مختلفة في هذه اللقاءات».
وحول التشابه أو الاختلاف بين هذه الحكايات تبين عائشة: «اكتشفت أنه لا توجد فروقات في هذه الحكايات بل وجدت تشابهاً بين القصص والهدف وراء كل حكاية؛ هناك البحث عن الخير والشر في الحكاية التي يرويها الناس. وجدت صعوبة في لقاءاتي مع هؤلاء الأشخاص الذين حدثوني عن بعض القصص الشعبية في بلادهم لأن لغات بعضهم مختلفة وصعبة. لكنني لمست من هذه التجربة بأننا نتفق في أشياء كثيرة مع هؤلاء من حيث الحكاية، مثلاً: إحدى الحكايات الأندونيسية عبارة عن قصة حلم بين الخير والشر، والكل يجري وراء هذا الحلم. نحن عندنا أيضاً ما يشبه هذا. وهناك قصة من البشتون عندما تقرأينها تعرفين موقع المرأة عندهم ومن أين تنبع تلك النظرة والمعاملة للمرأة هناك. أيضاً هناك حكايات عن المرأة الأندونيسية فيها أشياء غير منطقية بالنسبة لنا، لكن هم يؤمنون بها ويحبون المعجزات والأفكار الغريبة. الكتاب أظهر بعض الحكايات من دول متعددة تتشابه في الهدف، لكن نقلها وتفهم الناس لها يختلف من بلد إلى آخر، لأن اللغة أيضاً عامل مهم في توصيل الحكاية».
نصوصي تصلح للسينما
وفي إجابتها عن سؤال هل فكرت في كتابة نص سينمائي أو دراما؟ تجيب: «لم أكتب للسينما لحد الآن، لكنني أتمنى أن يتبنى أحد المخرجين قصة (غرفة القياس) لعمل فيلم قصير. وباعتباري فنانة تشكيلية، فإن في كتاباتي قصصاً تصويرية، فيها مشهدية تصلح للسينما. وذات مرة قال لي المخرج نواف الجناحي إن «قصة (غرفة القياس) فيلم جاهز ولا يحتاج أن يتعدل عليه». في قصصي تلعب الصورة والمشهد دوراً كبيراً وليس الحوار فقط. أنا من عشاق السينما، وأتمنى من أحد المخرجين الإماراتيين، وهم تميزوا مؤخراً بشكل كبير، أن يقتبس شيئاً من كتاباتي إذا كانت تستحق».
ومع التشكيل وموقعه الآن إلى جانب دار النشر والكتابة الأدبية، تقول: «رجعت مؤخراً إلى التشكيل وبقوة، لكن إلى الرسم الرقمي (الديجيتال).. أرسم رسوماتي على الشاشة الصغيرة».
وهنا، تكشف عائشة الكعبي سراً صغيراً مفاده بأنها شاركت أختها الكاتبة سارة الجروان الجزء الثاني من رواية «طروس إلى مولاي السلطان» بتصميم لوحة الغلاف.
وبخصوص ما حققته المرأة في الإمارات في جميع المجالات وفي مجال الأدب، وهل ما زالت توجد عقبات أمامها توضح عائشة: «من قبل لم أكن مطلعة بشكل جيد على مشاركة المرأة لكن بعد افتتاح دار النشر أصبح عندي اطلاع أكثر على الأعمال الأدبية في الإمارات، أعتقد أن المرأة الإماراتية تميزت منذ فترة، وهي منذ الأجيال القديمة تقف إلى جانب الرجل، وهناك أسماء كانت تنافس الرجال. أما الأدب فهو في رأيي مبني على الإحساس ولا فرق بين ما تكتبه المرأة أو الرجل. الأدب الجيد يفرض نفسه، لكنني عاتبة على الشابات لأنهن يتعجلن النشر، وفي وجود الإنترنت أصبحت الثقافة غير عميقة وكأنها اطلاع على العناوين فقط. وفي الإعلام الجديد أصبح منهم مشاهير على التويتر وتحولوا إلى كتاب لهم أفضل المبيعات. إحدى دور النشر الآن قبل أن تنشر لك تسأل كم عدد المتابعين لك على تويتر!!. صار نشر الكتاب على حسب نسبة المتابعين على تويتر.. الميديا جعلت منهم نجوما!.
* الاتحاد