من ” طواسين الحلاج “

طسُ الصفاء 

الحقيقةُ دقيقة ، طُرُقُها مضيقة ، فيها نيرانٌ شهيقة ، ودونها مفازةٌ عميقة . 

الغريب سلكها يخبر عن قطع مقامات الأربعين : 

مثل مقام الأدب والرهب والسبب 

والطلب والعجب والعطب 

والطرب والشرهِ والتره 

والصفاء والصدق والرفق 

والعتق والتصريح والترويح 

والتمني والشهود والوجود 

والعبد والكد والرد والامتداد 

والاعتداد والإنفراد والانقياد 

والمراد والشهود والحضور 

والرياضة والحياطة والإفتقاد 

والإصطلاد والتدبر 

والتحير والتفكر والتبصر 

والتصبر والتعبر والرفض والنقد 

والتيقظ والرعاية ؛ والهدايةِ والبداية . 

فهذه مقامات أهل الصفاء والصفوية ، ولكل مقام علوٌ مفهومٌ وغيرُ مفهوم . 

ثم دخل المفازةِ وحاذها ، ثم جازها ، بالأهل والمهل ، من الجبل إلى السهل 

فلما قضى موسى الأجل ترك الأهل حين صار للحقيقةِ أهلاً 

ومع ذلك كله رضي بالخبر دون النظر 

ليكون فرقاً بينهُ وبين خير البشر 

فقال : لعلي آتيكم منها بخبر 

فإذا رضيَ المقُتَضي بالخبر 

فكيفَ يكونُ المُقتضى على الأثر 

من الشجرة من جانب الطور 

ما سمع من الشجرة 

ما سمع من بررة 

ومثلي مثل تلك الشجرة 

فهذا كلامه 

فالحقيقةُ حقيقه 

والخليقةُ خليقه 

دع الخليقة 

لتكون أنت هـــو ، وهو أنت من حيث الحقيقة . 

لأني واصف والوصف وصف الواصف بالحقيقة ، فكيف الواصف . 

فقال له الحق : أنت تهدي إلى الدليل لا إلى المدلول . وأنــا دليل الدليل . 

صيرني الحق هاء حقيقة ، بالعهد والعقد والوثيقة 

شاهد سري بلا ضميري ؛ هذا سري وذا طريقة 

خاطبني الحقُ من جِناني ، فكان علمي على لساني . 

قربني منه بعد بعدٍ ؛ وخصني اللهُ واصطفاني . 

ــــــــــــــــــــــــــ 

طسُ الدائرة : 

 

هيهاتي من يدخل الدائرة والطريق مسدود . 

والطالب مردود . 

والدائرةُ ما لها باب . 

والنقطة التي في وسط الدائرة هي الحقيقة . 

ومعنى الحقيقة شيءٌ لا تغيب عنهُ الظواهر ولا البواطن ولا تقبل الأشكال . 

فإن أردت فهمَ ما أشرتُ إليه : فخُذ أربعةً من الطير فصرهن إليك لأن الحي لا يطير . 

الغيرةُ أحضرتها بعد الغيبة . والهيبة منعتها ، والحيرةُ سلبتها . 

هذه معاني الحقيقة . 

وأدق من ذلك دايرةُ المعادن ؛ وأثرة القواطن . 

وأدق من ذلك فهم الفهم فإخفاءِ الوهم . 

هذا من حول الدائرةِ ينطق ؛ لا من وراء الدائرة . 

وأما علمُ علمِ الحقيقة : فإنهُ حرميّ والدائرةُ حرمه . 

فلذلك سميَّ النبي صلى الله عليه وسلم حرمياً . 

ما خرج من دائرة الحرم سواه . 

لأنهُ فزعَ آواه . 

تآوه حين رأى بيتاً في دائرة الحرم وهو وراءه . 

فقال : آآه . 

***************** 

وأدق من ذلك ذكرُ النقط وهو الأصل ؛ لا يزيد ولا ينقص ولا يبيد . 

المنكر بقي في دائرة البراني وأنكر حالي حين لم يرني . 

وبالزندقةِ سماني ، وبالسوء رماني . 

وصاحب الدائرةِ الثانية : ظن أني عالمٌ رباني . 

والذي وصل إلى دائرة الحقيقة : نسي وغاب عن عياني . 

كلا لا وِزْر إلى ربك يومئذٍ المستقر ينبأ الإنسان يومئذٍ بما قدم وأخر . 

هرب إلى الخبر . فر إلى الوزر . 

خاف من الشرر . إغتر وغرر . 

رأيت طيراً من طيور الصوفية ؛ وعليه الجناحان . 

وأنكر شأني حين بقي على الطيران . 

فسألني عن الصفاء فقلت له : إقطع جناحك بنقرات الفناء . 

و إلا فلا تبغيه . 

فقال : بجناحي أطيرُ إلى إلفي . 

فقلت لهُ : ويحك !! ليس كمثلهِ شيء وهو السميع البصير. 

فوقع حينئذٍ في بحر الفهم . 

وغرق . 

قال تعالى :” ثم دنا فتدلى ” . 

دنا سمواً … فتدلى علواً . 

دنا طلباً … فتدلى طرباً . 

رأيت حبي بعين قلبي 

فقال من أنت ؟؟؟ 

قلت أنت .. أنت الذي جزت كل حدٍ 

لمحو أينٍ ……. فأين أنت ؟؟؟؟ 

فالآن لا أين منك أين 

وليس أينٌ بحيث أنت 

وليس للوهمِ عنك وهمٌ 

فيعلمَ الوهمُ أين أنت 

عن قلبهِ نأى .. من ربهِ دنا 

غاب حين رأى ما غابَ 

كيف حضر ما حضر ؟؟؟؟ 

كيف نظر ما نظر ؟؟؟ 

تحير فأبصر …. أبصر فتحير 

شوهد فشاهـــد 

وصل فأنفصل 

وصل بالمراد … فأنفصل عن الفؤاد 

ما كذّبَّ الفؤادُ ما رأى 

أخفاهُ فأدناه 

وأولاهُ فأصفاه 

وأرواهُ فأغذاه 

وصفاهُ فاصتفاه 

ودعا فناداه 

وأبلاهُ فانتقاه 

ووقاهُ فأملاه 

فكان .. قاب … حين آب وأصاب 

ودعيَّ فأجابَ …. وأبصر فغابَ 

وشربَّ فطاب وقربَ فهابَ 

فارق الأمصار والأنصارَ والأسرار 

والبصار والآثار 

ما ضلَّ صاحبكم 

ما أعتل ولا ملّ 

ما أعتل حين بان .. ما ملّ حين كــان 

ما ضلَّ صاحبكم .. في مشاهداتنا وما غوى في .. مضافاتنا ورسالاتنا 

وما انحرف في مصافاتنا ومعاملاتنا 

ما ضلَّ صاحبكم .. في نسيان الذكر وما غوى .. في جولات الفكر 

بل كان للحق في الأنفاس واللحظات ذاكراً 

وكـــان على البلايـــا والعطايا شاكــــــــراً 

إن هو إلا وحيٌ يوحى 

من النورِ إلى النور .. 

اقلب الكـــلام .. وغب عن الأوهام .. وارفع الأقدام عن الوراء والأمام 

واقطع تيه النُظُمِ والنظام .. وكن هائماً مع الهُيّام .. 

واضطلع لتكون طيراً بين الجبال والآكام 

جبال الفهمِ وآكــام السنام 

لترى ما رأى فتصير صنام الصام 

في المسجد الحرام 

ثم دنا .. كــأنهُ دنا من معنى 

ثم حجز كحاجز لا كراجز 

ثم من مقام التهذيب .. ومن مقام التهذيب إلى مقام التأديب 

ومن مقام التأديب إلى مقام التقريب 

دنا .. طلباً فتدلى .. هرباً 

دنا داعياً .. فتدلى منادياً 

دنا مجيباً .. فتدلى قريبا 

دنا شاهداً … فتدلى مشاهداً 

ثمّ ثمَّ ……. ثمّ ثمَّ 

صيغة الكــلام في معنى الدنوّ 

فجاز المعنى لحقيقة الحق .. لا لطريقة الخلق 

والدنو دائرة الضبط لحقيقة حق الحقائق 

في دقيقة دقة الدقائق 

من شواهق الشواهق 

بوصف ترياق التائق 

برؤية قطع العلائق 

في نمارق الصفائق 

بإبقاء البوائق 

بتبيين الدقائق 

بلفظ الخلاص …. من سبيل الخاص .. من حيث الأشخاص 

ومن الدنو ما هو بمعنى المُعرض العريض 

ليفهم المعنوي الذي سلك سبيل المرهوي 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *