فاطمة بن محمود *
( ثقافات )
لعل العنف السياسي الذي بدأ يتمدد في تونس انتقل الى المجال الثقافي من خلال ما تم مؤخرا من استهداف وزير الثقافة التونسية المهدي مبروك من طرف الشاب المسرحي نصر الدين السهيلي الذي رماه ببيضة اثناء حفل افتتاح لمعرض تشكيلي و حدث ذلك أمام كاميرات التصوير ..
اثر ذلك تمّ اعتقال المخرج و الممثل المسرحي السهيلي، و ارتفعت في البلاد صرخات مختلفة ، فأنصار الحكومة يرون في ذلك تعدّ على هيبة الدولة، و أنصار الابداع يرون ان ذلك مجرد رد فعل عن الأداء الرديء لأفشل وزير ثقافة عرفته البلاد التونسية في تاريخها في نظرهم معتبرين ان هذا التصرّف هو نتيجة لتراكمات يشعر بها المبدع التونسي الذي يعيش تهميشا و اقصاء يبدو متعمّدا من طرف سياسة حكومة النهضة التي تسعى الى التمدّد في مفاصل الدولة مع تجاهلها الكلي لمطالب المبدعين و استحقاقاتهم الابداعية، ففي ظل هذه الحكومة قَبِلَ وزير الثقافة ان تتراجع ميزانية وزارته المحدودة بطبعها الى النصف مما يعني تراجع الدعم للأعمال الفنية و تقلّص التشجيع و عدم الدعاية الكافية للأعمال الابداعية و التظاهرات الثقافية التي أصبحت قليلة، و قد ازداد في تأزم الوضع مع ارتفاع عدد الانتهاكات التي يتعرّض لها المبدعون من طرف تيّارات تحسب على حزب النهضة دون أن يبدي وزير الثقافة أي اعتراض على ذلك مثل الاعتداء بالعنف على المخرج السينمائي النوري بوزيد و المخرج المسرحي عبد القادر المقري والتهديد بالقتل للشاعرين المنصف الوهايبي و الصغير أولاد أحمد، و اقتحام فضاء العِبْدِليّة للفنون التشكيلية و ما ترتب على ذلك من اعتداء على فنانين و اعتقال لآخرين لأسباب ابداعية آخرها اعتقال بعض فناني راب أثناء تقديم عروضهم الفنية في مسرح الهواء الطلق بالحمامات و أمام أنظار الجمهور و كان من جرّائها ايضا اعتقال المصور الذي تابع الحدث بكاميراته و نزّله على الفايسبوك .. كل ذلك أثّر كثيرا على المشهد الثقافي التونسي و جعله ينحسر كثيرا و عمّق أزمة تواصل بين الوزارة و المبدعين .
يبدو ان كل ذلك مثّل مخزونا كافيا لزيادة الشعور بالاحتقان الشديد وتحميل وزير الثقافة المحسوب على التيار الاسلامي الحاكم في البلاد و اعتباره متواطئا تجاه كل هذه الانتهاكات و مسؤولا عن تراجع الاهتمام بالمبدعين و لذلك عبّر الشاب المسرحي نصر الدين السهيلي عن حالة الغضب تلك بان استغل فرصة تواجد الوزير في حفل افتتاح و فيما كان يهمّ بتقديم كلمة لمراسل احدى القنوات التلفزية فاجأه ببيضة تندلق على ملابسه و أحدث ذلك هرجا في القاعة و انتهت باعتقاله بعد أيام قليلة .. المسرحي نصر الدين السهيلي و حسب الفنان رؤوف بن يغلان الذي زاره في سجنه فانه يبدو مصرا على مطالبة وزير الثقافة بالاستقالة ويرفض الاعتذار منه بصفته الشخصية الا بعد أن يتنحّى عن منصبه .
نسبة كبيرة جدا من المبدعين و المثقفين نددوا بممارسة أي أشكال من العنف تجاه وزير الثقافة و اعتبروا أنه لا يجب ان يتأزم الوضع فينتهي الى هذه الحالة و لكنهم في المقابل اعتبروا وزير الثقافة المهدي مبروك مسؤولا عما وصل اليه القطاع الثقافي في عهده من تراجع و اهمال و يطالبونه فيها بالرّحيل .. و يرون ان الحكومة متناقضة اذ لم تعترض مثلا عندما هاجمت وزارة الداخلية أهالي ولاية سليانة من عنف شديد تمثّل في مواجهتهم بسلاح محرّم هو الرشّ الذي أصاب العديد من أبناءهم في عيونهم أفقدتهم البصر و انها تثور لبيضة رمى بها شاب مسرحي في حالة غضب تعبيرا عن حالة احتقان يعيشها كل المبدعين ..
و أمام الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد سياسيا بين الحكومة و المعارضة هل ستنجح حملة المثقفين و المبدعين ضد وزير الثقافة المهدي مبروك التي يبدو انها تصطف الى جانب المعارضة و ترفض سياسة الحكومة الثقافية أم انها ستضيع وسط هذه الفوضى العارمة التي تلفّ البلاد ؟؟
* شاعرة وصحفية من تونس