ظلُّ السّماء


*سرحان النمري

(ثقافات) 

في مَلحِ عَيني قَسْوةٌ حيرى
وَ خدُّ النهرِ شاحِبَةٌ 
و ذكرى قِمّة الأمواهِ يَقْظَىَ لا تنَامْ
و ظَلامُ دربي ذِكرياتُ الأمسِ مُزمِنَةُ القَلقْ
تمضي بِقافِلتي إلى حيثُ احتضارٍ للسّماءِ بلا شفَقْ
وَ على زُنودِ المِلحِ أدْعِيَةٌ يُردِّدُها الزِّحامْ
فعلامَ نحبِسُ رجْفَةَ المحمومِ إنْ عَزَّ الكلامْ 
******
ظلُّ السّماءِ باهِتٌ قد يشكُمُ الرّياءَ في العينَينِ
أو يُحوّطُ الأسفارَ في القلوبِ إنْ أصابَها ارْتِعابُها في الكبْوَةِ
و الشكُّ حينما يكونُ في ضميرِها 
يَسوقُ الريحَ في احتدامِها 
كدمعَةٍ شقيَّةٍ عصيَّةِ 
مَعابِدي انْدثرَتْ كلونِ الجَدبِ في غِوايتي
صفراءَ كالّلونِ الذي يُغلِفُ الأوجاعَ في الخطيئَةِ
تَنامُ لوعَتي على أسفارِها
مثلُ السّماءِ حينما تَنامُ في أديمِ بحرِها على الرَصانَةِ
لكنّما يبقى على خَرائِبِ الوجدِ إحتِبَاسٌ في قرارِ الغَيظِ،
كالقنديلِ مركوناً بِلا زيتٍ 
وَ قبَّةُ السّماء في نُجومِها المُضيئَةِ
*****
إنْ يَنزَوي الضّياعُ في الفؤادِ، 
أو يقاطِعَ الخُطوطَ في الخدينِ و الذراعْ
إنْ تَرحَلَ الآمالُ نحو الغيبِ
أو أنْ تَرفَعَ السفينُ سارياتِها
أو دَفّةَ الشِراعْ
أنْ تَفقُدَ الصديقَ و الرُعاةَ و الزُروعَ و الجداولْ
و حشْرَجَاتُ الناى تَستجدي مَساءاتِ الجَنَادلْ
أو يُستَباحُ الحزنُ في أحداقِ غَيمَةٍ شارِدَةٍ و ماطِرهْ
و أنْ يَموتَ الشّعرُ في حَناجِرِ النَوارِسِ المُهاجِرهْ
لا شيء يبقى في ضُروعِ النّهرِ
إلّا أوبَةُ السُّمّارِ مِنْ ليلٍ بَهيمْ
و تَواريخُ غُصونٍ أينعَتْ يوماً
و صَارتْ في صَدى الأيّامِ ذكرى وَ سَديمْ 
*******
التينُ و الزّيتونُ و الشّواهِدُ التي تملأُ أرجاءَ القُبورْ
سَلبَتْ عُيونُ السهدِ أنفَاسَ النُحورْ
و حُدودُ خَيمَتي أشلاؤها 
مَناسِكُ العُبورْ
كسيّدِ التّأويلِ يبقى ثعلباً بينَ الجُحورْ
******
سُحبُ الأقاحيِ نافِحَاتُ الطّيبِ تَجتَرُ المعَاني
نَسيمُها الفوّاحُ سِحرُ الصّبحِ يَقتاتُ الثواني
يَغوصُ في أديمِ رَبوَةٍ كَسولَةٍ تلهو بِغيِّها،
و كأسُها الندى ،
كَجدوَلٍ يَنسَابُ في أنشودَةِ الزّمَانِ
لنْ تَترُكَ الأطيارُ أعشاشاً إذا ما هاجَرَ الصّيفُ ،
و في قلبِ المدى شَغَفٌ و شوقٌ للمكانِ
*******
طَعمُ الحنينِ مالِحٌ في عودَةِ الجِيادْ
قَحطٌ و إشفَاقٌ و مِحنَةٌ قاتِلَةٌ في مَوسِمِ الحصَادْ
تلكَ النوايَا الطيّباتُ تَبخّرَتْ حينَ إستفَاقَ الطيشُ
مهزوماً بِبحرِ المَلحِ مَكسورَ الجنَاحْ
فاملأ الكأسَ هُموماً أيّها الساقي ودَعني أتسلّى بالقِرَاحْ
فاشتِيَاقُ الأمسِ أضحى ثوبُ عذراءٍ تَوشّى بالوِشَاحْ
و الغَواني شَذَراتٌ قد تَوارَتْ خلفَ أنوارِ الصبَاحْ
*****
تُبَدِّلُ الظُنونُ ثوبَها في الليلِ و المَساءْ
و لا يَقومُ في العُقولِ ثابِتٌ، 
فيرتقي بها الرجَاءْ
و نَظرتي تَحيّرتْ ما بينِ زُهدي والشقَاءْ
لكنّها تَثْبُتُ في الدربِ و في الليلِ و في المجهولِ خلفَ الأنبياءْ
فافردْ جَناحَكَ للمَدى و اعبرْ شُكوكَكَ و امتَطي حُلمَ السّماءْ. 
عمان 10-8-2013
_______
* شاعر من الأردن يقيم في أميركا 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *