هدا السرحان*
( ثقافات )
عندما نتوقف أمام المشهد الثقافي عشية انتخابات الهيئة الادارية في رابطة الكتاب الأردنيين والتي ستجرى صباح 24 من شهر اب/اغسطس الجاري، نجد ان اللغة لم تعد واحدة في تفاصيل خريطة المشهد تحت ضغط التطورات السياسية في المنطقة، وخصوصا الازمات في سوريا ومصر التي القت بظلالها على نشاطات الرابطة وشعاراتها.
فهناك مفارقة خلافية بين الشعراء والكتاب، ففريق يعتقد انه يمتلك الحقيقة فتحول الى مناصرة هذا النظام او ذاك في الصراع القائم ويصفق لخطاب سياسي محدد. وفريق اخر يرفض الرأي الاخر، وتحول الى تأييد أنماط المعارضة ويبكي ويرثي شهداءها.
تقول الروائية كفى الزعبي إنه ومنذ بداية الأزمة السورية حدث انقسام عمودي في وسط الكتاب الاردنيين ( هو الانقسام ذاته الذي حدث في المجتمع ) في الموقف من هذه الأزمة وهذا الخلاف الذي ينتقل الآن ليعكس الموقف مما يجري في مصر.
“بالطبع ومن غير المستغرب أن يصبح مؤيدو ما يسمى بالثورة السورية مؤيدين ومنحازين للاخوان المسلمين وللرئيس المعزول محمد مرسي ضد رغبة الشعب المصري وأن يكون المنحازون لسوريا ( دولة أو نظاما ) والواقفون مع بقائها ووحدة اراضيها والواقفين ضد المشروع الاسلامي الرجعي الصهيوني الامريكي منحازين لرغبة الشعب المصري الذي عزل الاخوان المسلمين في معركة لا تبدو لي سياسية بل هي تاريخية بامتياز : انها معركة فصل الدين عن الدولة التي تمهد لبناء الدولة المدنية . كل هذه الخلافات الحاضرة والمشتعلة في كل مكان في العالم حول ما يحدث في الوطن العربي وبالتحديد في سوريا وفي مصر ٫ هي تشتعب ايضا في رابطة الكتاب بل ان تأثيرها كان بالغا على العلاقات بين الكتاب.
القاصة بسمة النسور التي هددت اكثر من مرة بالاستقالة من الرابطة بعد زيارة رئيسها وبعض الاعضاء الى سوريا ولقاء الرئيس السوري بشار الاسد وإعلان دعمهم المطلق تؤكد ان”الانقسام الحاد بين مؤيدي الطغاه وبين مؤيدي الثورة وصل الى نقطة لا رجعة فيها.”
وتبين النسور ان تصنيف الناس أصبح على أساس مع أو ضد، وتعدى قضية الاختلاف في وجهات النظر او تعددية الآراء والمواقف كشكل من اشكال الديمقراطية ليصبح خلافا جذريا بين موقف اخلاقي انساني منحاز الى معاناة الشعوب، وبين موقف انتهازي متواطىء مع خطاب الطغاه التبريري ومتبنيا له ما شكل صدمة من موقف اليسار مدعي موقف المعارضة والمتكسب بنفس الوقت من اعطيات السلطه .
وتضيف النسور: ” نأيت بنفسي من هذا الخراب احتجاجا على مواقف مشينه صدرت عن بعض اعضاء الهيئة الاداريه الحاليه.”
ومن جهته يقول القاص هشام البستاني الذي رفض ان يكون عضواً في مؤسسة لديها “أمراض النظام الرسميّ العربي نفسها لكن مع تضخّم أكبر ( لتعويض صغر الحجم والتأثير) وأن رابطة الكتّاب الأردنيين بقيادتها الحالية اختارت طريق التدليس الفكري عبر ادّعاء المعارضة ومن ثم الانتقال العكسي الى الموالاة ودعم الطغيان والأنظمة القمعية ودول ما بعد الاستعمار السايكس-بيكوية، بل إنها خانت المبادئ الكبرى التي تأسست بناء عليها الرابطة في السبعينيات من القرن الماضي بجهود كتّاب أرادوا الوقوف في وجه النظام الرسمي المحلي والعربي وتبعيّته وقمعيّته ورذائله المعروفة، والاعلاء من قيم الحريّة ومواجهة الرقابة والسير باتجاه تقدّمي.
وامام هذا المشهد يبدو انه لا يمكن فصل الابداع الثقافي الذي يوحد ما لا يتوحد عن الصراع السياسي الذي يفرق ما قد يتوحد بمعجزة. وهنا نحاول ان نبين في قراءة متأنية تفاصيل خريطة المشهد الثقافي السياسي داخل الرابطة في محاولة لفهم اسلوب ادارة الازمات وتوقعات نتائجها.
فبحسب البيان التفصيلي الذي أصدره رئيس رابطة الكتاب الحالي موفق محادين حول تيارات الرابطة ومواقفها والتحالفات والاتجاهات صرح ان في الرابطة عدة تيارات مثل تيار القدس الثقافي وهو خليط من المستقلين واليساريين ( شيوعيين وجبهة شعبية ) ومن القوميين وفتحاويين وقد نجح هذا التيار في دورتين متتاليتين بالتحالف مع التجمع القومي.
ثم هناك التيار الثقافي الديموقراطي وكان التيار قد قاد الرابطة في دورات سابقة وهو مثل تيار القدس يضم خليطا من المستقلين واليساريين المقربين من الجبهة الديموقراطية وشيوعيين سابقين ومن أوساط فتحاوية معتدلة.
ثم هناك التيار الثقافي القومي ويضم خليطاً من المستقلين والقوميين المقربين من حزب البعث ومن يساريين وشيوعيين سابقين
بالاضافة للتيارات المذكورة تشهد الدورات الانتخابية بين الحين والآخر نشوء تيارات وتجمعات بعضها لم يكرس نفسه وبعضها ينتهي مع انتهاء الدورة الانتخابية , مثل الائتلاف الديموقراطي وقد توحدت هذه المجموعة مؤخرا مع التيار الديموقراطي .
أما فيما يخص الأزمة السورية والموقف منها أكد محادين أن الاختلافات ليست بين تيار وتيار، بل داخل كل تيار منها وهذا يشمل الجميع من تيار القدس إلى التجمع الديموقراطي إلى التجمع القومي، أما الموقف العام للرابطة فيتحدد بالتوافق داخل مجلس النقباء الذي تشارك الرابطة فيه، ولا يجوز لأية نقابة أو رابطة أن تخرج على هذا التوافق علماً بأن مجلس النقباء يضم كل التيارات في الأردن من الإسلاميين إلى القوميين إلى اليساريين إلى المستقلين.
ويعتقد الكثير من الادباء والمثقفين انه كان من المفترض لهذه الاختلافات لدى التيارات المتعددة في الرابطة, ألا تأخذ طابعاً تناحريّاً وإقصائيّاً فيما بينها كما نراه اليوم. كان يمكن تنظيم الندوات والمؤتمرات وإقامة حالة خلاقة ومعافاة من الحوار المتبادل، دون الاضطرار إلى التخندق والهجوم الضاري لهذا الطرف أو ذاك على الطرف الآخر.
لكنّ الذي حدث, من وجهة نظر الشاعر يوسف عبد العزيز شيء منفّر وبعيد عن روح العمل الثقافي وأخلاق المثقفين! فقد دخل كتّاب الرابطة فيما يشبه العراك، خاصّةً في الموضوع السوري.
أمام هذين الرأيين المتخندقين على جانبي الموضوع السوري يضيف عبد العزيز, هناك من يرى الأمور برؤيا أخرى، وهو أنّه ضدّ النظام السوري، ولكنه في الوقت نفسه ضدّ الجهات التي سرقت الثورة السورية، سواء الجهات الخارجية التي تنسّق مع الأمريكان ومشيخات النفط، أو الجهات الداخلية التكفيرية التي تتستّر وراء الدين في قتل الناس وهدم بنيان الدولة السورية.
هناك أيضاً تيّار جديد يتشكّل لمقاطعة الانتخابات، احتجاجاً على ممارسات التيارين الرئيسين وهما تيار القدس والتجمّع الديمقراطي.
تقول كفى الزعبي انها كانت تتوقع بل ومتأكدة أن الأزمتين السورية والمصرية ستلقيان بضلالهما على معركة الانتخابات القادمة في الرابطة ٫ وهو ما يعتبر برآيها امرا صحيا وحضاريا ونخبويا جدا …فخلافات النخب ومعاييرهم ليست كخلافات عامة الناس في المجتمع …لكن ما تبين ان النخب تعيد انتاج امراض المجتمع في اللحظات الحرجه ( اللحظات الحاسمة ) …اما في السلم ، اي باقي الايام التي لا تتطلب حسما ، فانهم – والحق يقال!! – يبيحون لانفسهم ممارسة ترف الاختلاف والانحيازات الوطنية والسياسة والثقافية
لقد تداخل الثقافي في السياسي داخل حاضر وواقع رابطة الكتاب وهو الصراع الذي يخشى بعض اعضاء الرابطة من ان يعصف بمؤسستهم لأن المناخ العام مفتوح امام محاكمات ابداعية من خلال محاكاة الازمة السياسية التي عصفت في سوريا بشكل خاص.
ففي حين يؤكد الشاعر يوسف عبد العزيز أن ما يحدث في كلّ من مصر وسوريا هو في صلب اهتمام الكتّاب الأردنيين من أعضاء الرابطة. و أن في الرابطة، ثمّة من الكتّاب، من أيّد النظام السوري الذي اعتبروه نظاماً قوميّاً يدافع عن الثوابت القومية والكفاحية العربية. وبالمقابل ثمة من أيّد الثورة السورية ووبّخ النظام السوري الذي اعتبروه نظاماً مجرماً يقوم بإبادة شعبه. لقد تبادل الطرفان الاتهامات والشتائم، وتمركّز كلّ في موقفه باعتباره الموقف الصحيح.
بالنسبة للموضوع المصري يبين عبد العزيز أن الصدام كان بين وجهات النظر أقل حدّة بكثير، فلم يتقدّم أحد من الرابطة ليناصر الرئيس المخلوع مبارك. لكن بعد الإطاحة بمرسي وحزب الإخوان المسلمين هناك، ظهر بعض الاختلاف في النظر إلى ما حدث، هل هو استمرار للثورة أم خطف وتصفية لها؟
ولكن الروائية كفى الزعبي تقول انه وبالرغم من حدة هـا الخلاف وتوتره فقد فاجأتنها المعركة الانتخابية بمعايير لا تأخذ السياسي والوطني آو الثقافي كمرجعيات تحدد شكل او وسائل آو آدوات هده المعركة…. فقد ا لاحظت انه تم تجاوز هذه الخلافات وعادت التحضيرات للانتخابات تجري على الاسس والمعايير التقليدية ذاتها : الاقليمية والعلاقات الشخصية .
وكم بدا لي غريبا , تضيف الزعبي, آن يعود المختلفون بشأن الازمة السورية ومما يحدث في مصر – في كلا التيارين – للالتقاء معا في اطار التيار الذي ينتمون اليه لخوض معركة الانتخابات ، متجاوزين كل المواقف من القضايا السياسية والوطنية اوالثقافية التي من المفترض ان تكون هي من يجمعهم أو يفرقهم ( على الاقل هذا ما لاحظته لدى النخب وقيادات التيارين الرئيسين في الرابطة : تيار التجمع الثقافي وتيار القدس ٫ فلست آدري شيئا عن مواقف باقي اعضاء الرابطة.
وتشعر الزعبي بالاسف على هذا المشهد. لانه بالنسبة لها ما يجب آن يجمع الكتاب ( كونهم يمثلون النخب الثقافية والابداعية في المجتمع ) هو الموقف من القضايا العامة سياسية كانت او وطنية او فكرية وثقافية ، هذه القضايا هي ما يجب ان تكون المعايير والمرجعيات ٫ لكن تجاوزها لصالح ما هو ضيق وشخصي واقليمي يجعلني ( على الاقل انا ) “أشعر بالأسف الشديد وبريبة شديدة تجاه قدره المثقف ،المبدع على لعب دور حقيقي ومؤثر سواء في وطنه آو اقليمه أو على مستو انساني.”
هذا الانشطار الثقافي والخلاف السياسي داخل الرابطة التي يبلغ عدد أعضاءها تسعمائة وعشرين عضوا هو قديم جدا بسبب وجود تحالفات ومحاور سياسية وحزبية منذ نشوء الرابطة. ولكن هذه المرة يبدو ان الخلاف جديد شديد لا حوار فيه ولا ابداع.
فالقاصة بسمة تتوقع الفوز ثانية لنفس التيار الذي يرأس المجلس “لأنهم نجحوا عبر سنين من تغير بنية الرابطة الداخليه وزجو فيها اسماء غريبه عجيبة ليس لها اي علاقة ،وهي مجرد اصوات انتخابيه حصلت على العضوية بالغش والتزوير.”
يوافقها الروائي هشام بستاني الذي يعتقد ان الرابطة صارت جزءاً من الشكل البائس للمشهد الثقافي المحلّي. وفي الموقف من سوريا وانعكاساته الانتخابية يقول: لن يكون هذا الأمر سوى مناسبة للتراشق الانتخابي الذي يخبو وينطفئ بعد الحدث، ويعود كل شيء إلى مكانه، وتعود الرابطة إلى مكانها كدائرة من دوائر وزارة الثقافة/دوائر “الدولة.
وينتقد البستاني الرابطة منذ صعود تيار القدس الذي ينتمي اليه رئيسها الحالي محادين الى قيادتها قبل ست سنوات، فقد تحوّلت إلى “شريك استراتيجي” للسلطة في الأردن كما يصرّح بذلك رئيس الرابطة الحالي في وصفه لعلاقته مع وزارة الثقافة الأردنية، ويشهد على هذا الأموال الطائلة التي أغدقت على الرابطة من السلطة بدءاً من قيمة إيجار مقرّها السابق في الشميساني الذي بلغ اثنان وثلاثون ألف دينار سنوياً، وصولاً إلى الدعم السخي لمجلة الرابطة “أوراق” التي لا يقرأها أحد ولا توزّع في أي مكان، وليس انتهاء بجوائز التفرّغ الإبداعي التي أعطيت بكرم حاتمي لرئيس الرابطة وأمينة سرّها وهما على رأس موقعهما عام 2010 دون خجل (حتى الشركات الاستهلاكية تستثني موظفيها وعائلاتهم من جوائزها بسبب تعزيز الشفافية والعدالة!)، وصولاً الى التغيير الأخير في هيئات تحرير المجلات الثقافية التي أفادت بشكل خاص رموز وقيادات الرابطة الحاليين. انتقل النظام الأردني في عرف هؤلاء من كونه “مطبّعاً” وجزءاً من المشروع الأمريكي – الإسرائيلي إلى خانة الشريك الثقافي، وانتقلت أمراض الهويّة التي رعاها النظام عبر عقود من العمل التفتيتي، إلى أبجديّات أساسية للعمل في الرابطة وتشكيل القوائم الانتخابية على أساسها، إضافة إلى “الحمولة الكبيرة” للأعضاء الذين لا علاقة لهم بالكتابة أو الإبداع من قريب أو بعيد، وهم مجرّد “خزّان انتخابي” يصوّتون بحسب خيارات “كهنتهم”. ما أريد أن أقوله أن خراباً بنيوياً من هذا النوع لا يتأثر بخ أنا أعتقد أنّ الخلاف حول المسألة السورية، سيدخل بقوّة في موضوع انتخابات الرابطة لهذا العام، وربّما سيكون الأساس الذي سينطلق منه أعضاء الرابطة في التصويت. وربّما، وهذه رؤيتي الخاصّة يقود ذلك إلى حدوث شرخ عمودي في الرابطة، يؤدّي من جملة ما يؤدّي إليه إلى زيادة التمزّق في جسد الرابطة والإطاحة بها كمؤسسة.
* صحفية وكاتبة من الأردن
(الصور على التوالي : كفى الزعبي، موفق محادين، بسمة النسور )