عزلة ضائعة


*حسين درويش

ربما هم قلائل الذين باتوا يذكرون أول كتاب قرأوه، لأن الكتاب لم ينتقل كإرث معرفي من جيل لآخر، وسط تعقيدات تكنولوجيا البلاي ستيشن التي عصفت بالحياة. فلم يعد الأبناء يفارقون الشاشات لولا تلبيتهم لنداء الطبيعة.

قراء الكتب أصبحوا قلائل في ظل الانتشار الواسع الذي يمكن أن يحققه الكتاب مع سهولة النشر وسرعة الانتشار، ناهيك عن قوة تأثير المرئي، لكن هل يتعادل الذين يقرأون مع الذين يلعبون (بلاي ستيشن)، دون ان نبخس لاعبي التكنولوجيا حقهم في الذكاء والمعرفة أحادية الاتجاه.
ولت تلك الأيام التي كان ينتقل فيها الكتاب من بيت لآخر كإرث عائلي، بيوت لم تعد فيها مكتبة بأي صيغة، بيوت شاشاتها الافتراضية الكبيرة تحتل مساحات واسعة من المكان بطريقة تصرف النظر عن حاجة المكتبة أو الكتاب، بيوت يراهق فيها الناشئة في عالم افتراضي دون حلم أو أمل بمستقبل منطقي في عالم واقعي.
لا تجوز المقارنة بين زمنين أو عالمين، لكن الأجيال تتلاحق معارفها حتى تتواصل مع بعضها بشكل صحيح، فقد كان كتاب “الأمير” الأكثر شهرة بين المثقفين في السبعينات، أو كتاب “الأيام” في الستينات. ومن قبل، كانت كتب سارتر أو كامو أو روايات أغاثا كريستي، دليل المثقف إلى صداقة المثقف.
مَن مِن جيل اليوم قرأ كتاباً كان في مكتبة والده، وهل يعرف أبناء الجيل الحالي عمالقة مثل بلزاك أو تشيخوف أو همنغواي أو ديكنز أو غيرهم؟ من هؤلاء العباقرة الذين أعطوا الإنسانية عصارة المعرفة ؟ أسماء تبدو مجهولة لأبناء الحاضر.
السبب في ذلك (برأينا المتواضع)، أن المدرسة قطعت طريق القراءة عندما أغلقت باب المكتبة، وحولتها إلى مستودع لكتب صفراء يحرسها موظف قبل ذهابه إلى المعاش بأشهر، المكتبة بفعلها غائبة وبكتبها أصبحت (دقة قديمة) فلماذا يذهب إليها الطالب ويترك عالمه الافتراضي المشوق؟!
______
*(البيان)

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *