*يوسف ضمرة
من منا لا يعرف هوليوود؟
كنا صغاراً مغرمين بأفلام «الويسترن» أو «الكاوبوي» أو رعاة البقر.. ليست التسمية مهمة. وكنا نرى أولئك الهنود الحمر المتوحشين، المتربصين بالرجل الأبيض الطيب لسلبه ونهبه وقتله، قبل أن يسلخوا جلدة رأسه، وربما فعلوا ذلك وهو حي يرزق. كنا نصفق فرحاً للرجل الكاوبوي الذي يأتي للقضاء على هؤلاء المصنفين من أكلة لحوم البشر، ويبرع في مهمته «النبيلة»، حتى وهو بمسدس واحد لا يضطر إلى تعبئته.
فقط حين كبرنا أدركنا أن هوليوود كانت تزوّر التاريخ، وأنها كانت تكتب تاريخاً مغايراً تماماً لما جرى على تلك الأرض، وأنها تحاول تسويق مبررات واهية للفظائع والجرائم التي ارتكبتها بحق السكان الأصليين لتلك البلاد.
واستمر البطل الأبيض في أعماله «النبيلة» إلى أن وصل حرب فيتنام واحتلال العراق.
في كتابه الجديد «الرسالة السياسية لهوليوود» للباحث الدكتور إبراهيم علوش، نقع على حقائق موثقة مريعة. ربما كنا نعرف في الإطار العام سياسة هوليوود، لكننا لم نكن ندرك حجم هذا النفوذ وسطوته لكبار الشركات صاحبة استوديوهات التصوير ومالكة دور العرض السينمائية في الولايات المتحدة الأميركية. وبالرغم من إطلالة الكتاب على أكثر من 50 فيلماً أميركياً، وفضح الرسائل السياسية والثقافية التي تحملها هذه الأفلام، إلا أن الأرقام التي يوردها المؤلف حول هوليوود، ربما تكون صادمة أكثر بكثير من الأفلام نفسها.
طبعاً لا يقلل المؤلف من المستويات الجمالية التي وصلت إليها صناعة السينما في هوليوود، من إخراج وسيناريو وتمثيل وعمليات فنية شديدة الحساسية والتعقيد، لكن ذلك كله ليس أكثر من بناية مزينة بشكل مدهش، بينما تحوي في داخلها كل ما يمكن أن تطلقه «باندورا» ربة الشرور من صندوقها. ولكن هذا لا يعني أن كل ما تنتجه هوليوود كذلك، فثمة أفلام يجري إنتاجها أحياناً برسالة مغايرة، وهي قليلة بالطبع، لكنها تجد الكثير من معوقات الوصول إلى المتفرج. وغالباً ما تكون حصيلة هذه الأفلام القليلة دور عرض محدودة جداً، ونقاد لا يُذكرون، وخسائر مالية ضخمة.
وبالأرقام، يتضح لنا أن هنالك عدداً محدوداً جداً من الشركات التي تملك استوديوهات التصوير الضخمة جداً، والتي توفر فرصة عظيمة لصناعة فيلم يحظى بالمشاهدة. وبالإضافة إلى استوديوهات التصوير نكتشف أن لهذه الشركات شبكات تلفزيونية واسعة ومنتشرة في العالم، وأنها أيضاً تمتلك صالات العرض كلها في الولايات المتحدة الأميركية، أو معظمها في أحسن الأحوال. وتكتمل «المصادفة» عندما نكتشف أن أصحاب هذه الشركات ومديريها هم من اليهود. هكذا تكتمل الدائرة: استوديوهات ضخمة، ودور عرض فاخرة، ووسائل تسويق تلفزيونية وصحافية، وكُتاب متفرغون للتسويق.
أما رسائل هوليوود فهي سياسية وثقافية. وهي تذكرنا حتى اليوم بأفلام رعاة البقر التي حاولت أن تزوّر التاريخ، وتجعل من الضحية جلاداً وبالعكس.
_______
*الإمارات اليوم