لياو ييوو..رحلة شاعر عبر سجن صيني


*إعداد وترجمة: ابتسام عبد الله

الكلمة الصينية التي تعني بالروسية (غولاغ)، هي (لاوغي) وهي لم تترجم بعد الى الانكليزية، علماً انها تعني (الاصلاح عبر العمل الشاق) ولياو ييوو، حتى ان استعاد ذكرياته عن تلك الايام التي كان فيها سجيناً، على ذلك النهج، وإن كانت سرداً جافاً لاحصاءات متعددة، فانها تؤدي مهمة مطلوبة وضرورية.

ولكن لياو ييوو شاعر، وقد سجن بسبب قصيدتين كتبهما كرد فعل على المذبحة التي حدثت للطلبة المتظاهرين في ساحة تيانانمين في عام 1989، والقصيدتين اغضبتا الحزب الشيوعي الصيني- خاصة لما تتمتع به من اسلوب شاعر دقيق الملاحظة وخيال مبدع، ولذلك السبب فان (من اجل أغنية ومئة أغنية) كتاب يفرض نفسه حول نظام ذلك المعتقل، ويضم العديد من الصور الذين كانوا فيه، من السياسيين البسطاء الى طلاب مثاليين والمسيحيين، والى المجرمين والقتلة والمغتصبين الى السرّاق والمختلسين. 
ولياو الذي يبلغ الـ 54 من عمره اليوم، يعيش في برلين، ويؤكد انه حتى سجنه لم يكن يهتم بالسياسة، بل كان بوهيمياً بشكل ما، مسرفاً ويهتم بالنساء، (كنت معجباً بكتّاب الاغنيات الامريكية، سريعة الايقاع، وجوال بلا هدف). وقد عمل لياو ذات مرة سائق شاحنة على طريق التبت-سيجوان.
ولكن مذبحة تياناتمين شدّت اهتمامه وجاءت المشاكل التي لم يكن متهيئاً لها، وقد وصل اولاً الى مركز الاعتقال، واهتز عندما تسلم كتيباً عن قائمة لـ(108 أشياء نادرة ورقيقة)، اي قائمة لاطباق من انواع التعذيب الخاصة بالسجناء، ومنها على سبيل المثال، (معكرونة رقيقة جداً في حساء، و(خيوط من ورق التواليت المغمسة باليورين، ويرغم السجين على تناول ورق التواليت واحتساء اليورين.
وعنوان كتاب لياو مشتق من امر آخر جرى له في المعتقل، وكان ذلك عندما ضبطه الحارس ذات يوم وهو يغني بصوت منخفض لنفسه، بدون استئذان، وأرغم آنذاك على غناء 100 أغنية كعقاب له، وعندما ارتفع صوت لياو لتلبية الامر، سرعان ما بدأ الحارس بضربه بواسطة عصا كهربائية.
ويقول الشاعر، (صرخت وبدأت اقفز مثل كلب، وقد سرى التيار الكهربائي في جسدي، وأحسست كأنني بطة ينتزعون ريشها، وبالرغم منه، بدأ يستجمع شيئاً من قوته ليغني نشيد الحزب الشيوعي).
ويكتب لياو الكثير عن الأمور المتعلقة بالمعامل اللاانسانية للمعتقلين وكأنهم حيوانات، ومن الممكن مقارنة هذا الكتاب بآخر كتبه هاري وبعنوان (الرياح الحادة) عن فترة قضائه 19 سنة في السجون، خلال الحقبة الماوية، إن الأمور لم تتغير في تلك المعتقلات على الاطلاق: جوع، تعذيب، من اجل تحطيم إرادة السجناء، إرغامه على الاعتراف بجرائم لم يرتكبها، والتوسل الى المسؤولين من اجل العفو، دون اي احترام للقوانين الخاصة بحقوق الانسان العالمية، والتي وقعوا عليها.
و خلال الفترة التي سجن فيها لياو، كانت المرحلة الماوّية قد انتهت، ولكن آلية العمل في المعتقلات لم تتغير كثيرا، ووجد لياو نفسه وقد تم اختياره لتوزيع علب الدواء في زنزانته 3,000 وحدة في اليوم- وفيما بعد نقل الى مؤسسة الحديد، الخاصة بصنع أجزاء السيارة.
وفي عام 1992، نادى القائد الصيني (دينغ إكسياوبينغ، بضرورة تعميق الاصلاح الاقتصادي وهكذا تحرك البلاد بأجمعه، (لتحقيق الثروة بسرعة).
ومع تقدم الأيام، توصل لياو الى حقيقة، ان نظام المعتقل، يشبه الملامح الاساسية للحياة اليومية في الصين، (في زنزانتي التي كانت حوالي 220 قدما مربعا، والمخصصة لـ18 معتقلا، كانت القوانين السائدة هي نفسها التي وتواجه الناس في الخارج، ويعقب على ذلك بقوله، (الصين تبقى سجناً للعقل الامتلاك بدون حرية، وهذا هو عالمنا الحر الجديد).
وبعد إطلاق سراحه، يتذكر لياو ان العديد من زملائه من السجناء السياسيين تخلوا عن طموحاتهم السياسية، وانضموا الى بقية أفراد الشعب، في البحث المتواصل عن المال.
ولكنه كان أكثر عناداً، وعندما علم مكتب الأمن العام، الذي كان يواصل مراقبته، بأنه قد كتب مذكراته عن المعتقل وينوي طباعته، دعي الى تناول الشاي لبحث الموضوع بصراحة.
(إن لم يتخل عن خطته)، فمن الممكن بسهولة جعله يختفي لفترة من الزمن، ولم يفهم رجل الشرطة لماذا لا يوافق لياو ان يكون مثل أي شخص آخر.
وسئل (لماذا لا تكتب قصصا رومانسية لا تجلب الضرر، وبإمكانك طبعها، ولتصبح غنياً؟ ورفض لياو تلك النصيحة، وكان ذلك أفضل بالنسبة للصين).
_________
*(المدى)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *