علي السوداني *
( ثقافات )
رمضان السنة – كما أرى وأسمع وأقرأ – ليس مثل رمضان السنة البائدة ، في باب المعروض على التلفزيونات . بين مسلسل ومسلسل ، مسلسلة . تبدّلٌ كبير وقع على منابع الإنتاج والتمثيل والتأليف . ألبضاعة كانت مصرية أولاً ، وخليجية ثانياً ، وعراقية ثالثاً . غابت الشام – عيني عليها وياسمينها وربة الوجه الصبوح وتقْبرني ابن عمّي – بعد أن تمّ تدمير دكة دمشق الغالية ، بفتاوى تحريرها – مثل مصيبة تحرير العراق تماماً – لسنا مع الدكتاتورية والأنظمة الظلامية واللحى المقمّلة التي تريد الجهاد في سوريا ، وفلسطين أُمّنا الحزينة ، أقرب إليهم من شمرة عصا . أمريكا الوغدة ، ومن رضي أن يكون مسماراً نائماً في بسطالها النتن ، يقتلون الشوام ، ويمشون خلف جنائزهم . ظلاميون واحدهم يقترف عشر غلطات ، إن قرأ على الناس خطبةً من ثلاثة سطور ، يريدون نشر الحرية في أرض الشام . كذابون منافقون دجالون ، يشمرون مليون شاميّ وشامية ، في صحارى وقفار ومفازات المقتربات ، ثم يسيّرون صوبهم قافلات وحاملات الطحين ، في مشهدٍ دونيّ ، يشيّب القلب والكبد والحشى ، قبل شيبان الرأس المبكر . ألوحوش الأمريكان ، وذيولهم في مزاد المنغلة ، وقفوا على أسّ الهدف . ألدولة السورية تَقتلْ ، فيردّ عليها المعارضون المعترضون ، بمثل تحيتها ، أو بأحسن منها . لِتمتِ الشام وتتهدّمْ ، وليقطع رأس أبي العلاء ، ولتهبط الأمويات المَلِكاتْ ، صوب إشارات المرور ، شدّات ورد فوق زند ، وطفلة مجدّلة ، غفتْ على ساعد وبقيا زندٍ مهزول . هذا هو منظر الغابة المشتهاة . لتذهبْ كلَّ كاميرات الدنيا ، ولتقنصْ ما تيسّر وتوفّر من وجوه الملاكات الأمويات . ألحّوا عليهنّ بمطر الأسئلة الضخمة ، حتى تتيبّس مآقيهنّ والضروع . خذوا من الزلم ، بكّائيهم وندّابيهم ونوّاحيهم ، فالدمع عذب ولذيذ ، إن ساحَ فوق وجه الكاميرا . رمضان كريم ، وأجر الغابة على قدْر المشقّة . ليتكامل المرأى ويتنمذج ، ولتغادر الصفوة أرض الياسمين . لا إطلالة قاسيون ، ولا أفياء بردى ، ولا تكية محيي الدين ، ولا رمية نرد مبروكة بمقهى الروضة . ليذهب الرافديني الأزلي لبيد أبو حالوب إلى الجحيم . إن اشتهى غوار الطوشه دريد ، وياسر العظمة إضحاك الرعية ، فليذهبا الى مكان عاصمٍ . لمنى واصف ونجدة أنزور وأيمن زيدان وعباس النوري وبسام كوسا وسليم كلاس ومرح جبر وجمال سليمان ووفاء موصللي ، سماوات ثانية للشغل تحتها . بمستطاع المعلم صباح فخري ، أن يسحر الناس بالقدود ، وبرقصة مدورة مذهلة ، فوق واحدة من دكك الجيرة . ليهاجر رجال ونساء وفتيان ” باب الحارة ” نحو صحارى وواحات العربان . ثمة باب حارة جديد حتماً . أمريكا الرحيمة ، لم تكتفِ بتوزيع الخبز على جائعي الخيام البيض ، بل وسّعت المشهد ، وأقامت حارة وباب حارة ، نسخة منسوخة عن الأصل والجذر ، فلا زعل من بسام الملّا ، ولا عتب من سامر المصري ، ولا ساخن دمعٍ من منى التي أكلت كبد الحمزة بن عبد المطلب ، فورّطت القوم بثقل وزنهُ ألف وأربعمائة سنة . أمريكا طيبة ، والعربان طيبون ، ينصبون الخيام البيض ، ويركزون الكرفانات الإفرنجية البديعة التي فيها حظٌّ للسائل والشارد والمخلوع من سرّته ، وأيضاً يبنون حارة وبابأ عملاقة ، ودكة مسرح حديثة ، و” عرب آيدل ” مشع ، فلِمَ الحزن يا حاتم علي ، وليش النحيب يا ميادة ، ولماذا تتململ في قبرك يا ياسين بقّوش ؟!
ألشاميون بطرانون ، ومثلهم الشاميات . صحيح أن خيام الضيم والقهر مدقوقة في حلق تموز النار ، لكنّ الصحيح أيضاً ، هو أن تلك المخيمات البيض ، نظيفة وقوية ، ومنسوجة من قماش مقموش ضد النار ، وثمة طحين وماء ومقهى وسماء ونجوم ، وأحلام ليل ، لا تكلّف النائمين إلّا وسعهم . أمريكا طيبة وكريمة مثل رمضان . أوباما رجلٌ شهمٌ مثل ” أبو شهاب ” أمّا أنا ، فعاقلٌ ولمّاح ، وشبعان قهر ، من ثقل الحروف .
alialsoudani2011@gmail.com
* قاص عراقي يعيش في الأردن