عمر علوي ناسنا: علاقتي بنفسي هي علاقة جلاد بضحية


*حوار : عبدالله المتقي

(ثقافات) 

عمر علوي ناسنا شاعر ، قاص ، روائي ، وشاذر مغربي مائز ، من إصداراته :
“خبز الله” سنة 2010 ، “وصايا الشيطان الطيب” و “خربشات طفولة معاصرة” سنة 2011 و “أنا مؤقت أنا ” سنة 2012 ، حول مسار كتاباته وطقوسها ، عن الخلود والموت ، و شغبه الجميل كان لنا هذا الحوار :
– من أي مشتل جئت الكتابة ، ولماذا تكتب ، سي عمر ؟
ليت لي ربع التفاؤل الذي تحمله كلمة مشتل، هي على الأقل بذرة جنة موعودة فيما أحسبني قادما من الجحيم، تحت سماء شحيحة كبرت مثل نباتات برية تعتاش على قطرات غيمات عابرة وعلى بول الكلاب الضالة، الشخص الذي كنت أبعث له برسائل تحت مسمى أسكلبيوس لم يكن سوى أناي التي نجت من مذبحة اليباس ومن محرقة المعنى، علاقتي بالأدب ليست على مايرام، لأن علاقتي بالعالم متوترة محتدمة وعلاقتي بنفسي هي علاقة جلاد بضحية، إنني أكتشف نفسي تحت وقع السياط، أما لماذا أكتب فجوابي دائما كان: أنا مجرم كامل الأوصاف،على الحافة أكتب، حتى الطيور ترتبك أجنحتها هناك في ذلك الحد الذي يتساوى فيه الصعود مع السقوط، تطلبون مني الاعتدال، لا جنة ولا نار، لم أجد هذه الفضيلة عند الآلهة، لم أسمع عن تلك المساحة التي يتساوى فيها كل شيء، لم أتعرف عليها حقيقة إلا عند المجرمين الذين وصلوا إليها بعد أن تحولوا إلى صالحين وعند الصالحين الذين وصلوا إليها بعد أن تحولوا إلى مجرمين، أولئك الذين دخلوا الجنة من باب الجحيم أو ولجوا الجحيم من باب الجنة،اتركوني إذن أعبر لله من باب الإنسان، أكتب إذن لأبقى على قيد الحماقة، ولا أقبل ولن أقبل بسهولة وجبة المعنى كما أنزلتها السماء أو كما أنبتتها الأرض.
لا أومن بكتابة لا تترك دما، دم كاتبها ودم من يقرؤها، لاأومن بكتابة تبقى بعدها كما كنت قبلها، لاأومن بكتابة لا تَقرأ ولا بقراءة لا تَكتب، لا أومن بكتابة تبتاع مدادها من السوق، أومن بكتابة مغتصِبة سارقة مختلِسة ، أومن بكتابة تشبه قبلة عنيفة تهب دون إنذار وتقتلع كل أغراسنا البالية المسنة ، تلك التي أنبتتها مخاطة الظل ومصالحة السفوح
– أنت شاعر ، روائي ، قاص ، وشاذر ، أين أجدك واحدا في هذا التعدد ؟ 
في التعدد رحمة، لذلك فضيلة كبيرة يعرفها كل من حكم عليه بالرمي بالرصاص إنه حينها يود لو تعدد حتى ينجو واحد منه من رسالة الموت، نحن أشبه بقطار ولن أرحل قبل أن ينزل مني آخر راكب، لا أرجو أن يكون آخر الركاب الشاعر أو الروائي أو القاص أو الشاذر أرجو أن يكون ذلك الطفل الذي احتج دائما على خيمة السماء التي ترتفع بأضلعنا، أود لو يأتي الموت وذلك الطفل منشغل باللعب، إنه لن يهتم كثيرا بالموت وسيدعوه للعب ، الموت الذي قتلته جديته المفرطة. 
-كيف تلقي القبض على الكلمة ، الجملة الأولى متلبسة؟
لنذهب للجحيم معشر الكتاب، من أين لنا مهارة الصياد أو إبداع القناص؟ من أين لنا فتنة المجرم وذكاء العاهرات، إنني أخرج لشارع المعنى مثل عاهرة مستجدة أو مثل مثلي أو مثلية مبتدئين أو مثل مراهق غر لايزال يتدرب على الحيوانات في التمرينات الهرمونية لجسد يتفتح، أخرج وبي طمع مستفحل لأن تراودني فكرة عن نفسي أو تشتهيني مذبحة كلمات أو حفل للمعاني، علمتني الصوفية أن أتبرأ من حولي ومن قوتي كي تشتهيني الحياة وكي تطلب ودي الكلمات، التنطع على الكتابة إدعاء الفحولة كلها أبواب لا تنفتح إلا على حفلة إخصاء لغوي، لذلك كانت نصيحتي دائما، أنا مؤقتا أنا، ينبغي أن نتتلمذ على التراب كي نفهم شعور قمة الجبل يعانقها الغيم .
-هل لديك طقوس معينة في الكتابة ؟ و كتابة النهار هي ذاتها كتابة الليل؟
طقسي أن أهرب من كل طقس، لست خاصا لتكون لي طقوس خاصة، أعيش حياتي كما يعيشها الناس وأكتبها كما يكتبونها، وربما لا أختلف عنهم سوى في أنني أذيع حماقاتي وأنشر حتى غسيلي القذر.
إن الصورة الكاريزمية المنتقاة التي يحاول بعضهم أن يسوقها عن نفسه لا تستهويني وأكره تلك الصور النموذجية للكاتب الذي يمسك بجبهته أو يرسل نظره بعيدا ليوهمنا بأنه يفكر أو يمسك بطرف غليونه أو يشارك السيجارة لقطة ما. أنا إنسان يكتب على طاولة كما يكتب الناس وأعطس كما يعطس الناس ولا فضل لي على أي أحد من الناس
لقد كانت العبارة التي صدرت بها كتابي: أنا مؤقتا أنا هي العبارة التالي “كثيرون يكرهونني، إنهم يعتقدون أني أفضل منهم، إنهم واهمون، أنا فقط لست أسوا منهم.”
الناس رحيمون جدا بأنفسهم وتلك مأساة كبيرة وفي رأيي المتواضع اصرخ في وجهك، الوجه الذي لا تراه، ولكنك تجده في العذاب الذي يصنعه في وجوه غيرك.
انتبهوا لأولئك الذين يرتدون المفاهيم والمصطلحات وينفثونها في الهواء كالتنين ليثبتوا أنهم رجال فكر وفلسفة، إنهم دائما في حفلة تنكرية، الفكر فيها مجرد قناع، وحتما ستنتهي الحفلة وسنضطر لأن نعترف أن التنين مجرد خرافة.
أكتب كلما زادت الجرعة عن حدها جرعة الحياة أو جرعة الموت، جرعة الألم أو جرعة اللذة، الكتابة عندي مرتبطة بالتطرف الذي لايلزم أحدا سواي لكني أغبط الشجعان الذين لا يكتبون إنهم أكثر قوة أولئك الأقوياء الذين يركلون مؤخرة العالم بالصمت.
“-خبز الله “، “أنا مؤقتا أنا “، ” قصائد لا يت “… من أين تأتي بهذه الثريات المعلقة في سقف كتبك؟
أسماؤنا شديدة الشبه بعناوين كتبنا، إنها بشكل ما قتل، نحن مجرمون مع سبق الإصرار والترصد، لذلك أتعجب من الصورة الجميلة التي يشكلها بعض الكتاب عن أنفسهم وعن كتبهم، بالنسبة لي الأمر مختلف، إنني أرافع ليس لأحصل على الراءة، بل لأثبت أنها جرائمي وأنني معني بها ولأشير إلى الحافة تلك التي حبلت بي ولا أحد يريد أن يتحدث عنها وهنا تحديدا اشعر ربما بأن ما افعله خطأ لذلك قلت إن الدعوة لحفل رقص ول:اس نبيذ أفضل بكثير من الكتابة التي تهدم الجدار وترينا شيئا مختلفا، لقد كتبت قصيدة ادافع فيها عن إخوة يوسف وورد فيها هذا المقطع:
ألقيتُ في الجب يوسفَ
كي يشرب إخوتي
عطش هو الليل
جوع هو القبح
فارحم
يا ابانا كواكبك المهيضة
ولاتصنع بيوسفَ
وجه الإله القبيحْ.
وقد عاتبني إخوة كثيرون على كتابتها،وأذا حدث وألقوا بي في الجب فلن أكون قاسيا معهم.
-شذراتك فيروسات من القلق،ألم يفارقك هذا القلق ولو مرة واحدة؟
من الجحيم نصنع مجدنا الجديد يا أسكلبيوس، تأكد أن لاشيء بقي منكَ، نحتاج احتراقا كاملا كي نخلص لقيامتنا، لن تمر لجنتك إلا من باب جحيمك العظيم، ومن جحيمك ستفتح عهدك الجديد كمجرم أصيل كامل الأوصاف.
دع الكارثة تخبر عن نفسها ياصديقي، الهدوء لغيرنا والقلق موسيقى وجودنا المضطرب، هل نخفي المذبحة الوجودية لا أعرف ربما من الأفضل أن نفعل ذلك، نحتاج مخيلة هوليودية بديعة لنخون.
-ما هي رؤيتك الشخصية لنيتشه ؟
إنه الرجل الذي لايريد أن يموت وله أكرر كلامي لأسكلبيوس: من يقرأ ما أكتب يا اسكلبيوس؟ من يحفل بصديقك الذي لم يتوقف عن السقوط في جحيمه الذي صنعته الجنة؟ لم أعد كما كنت قبل ولادتي يا اسكلبيوس، وخيمة الألم ترفعها أعمدة الجريمة، ماض صديقك لوجعه ولن يشكو ولن يطلب حورا ولا عينا ولن يمر في اي طريق، سيحمل كأسه ثم يصمت، هذا كل شيء ، هذا كل شيء، لا ترهم قبري يا اسكلبيوس أريتهم إياه في جسد أمي فاحتفلوا بالجريمة.
-ماذا يعني لك الموت ؟
الموت شكل من اشكال الإخلاص، إخلاص غامض لقضية غير معروفة، إن الناس لايموتون بسلام، تسبقهم دائما تلك المخاوف التي خلقناها فيهم بدعوى الحرص على أن يكون وضعهم هناك أفضل/ ما حققناه هو أننا قتلنا صورة الموت الجميل وخلقنا موتا جديدا يقتلهم وهم أحياء فلا يتبقى للموت الجميل شيء يفعله، علاقتنا بالموت هي مثل علاقة الزهور التي توضع على القبر، إنها تدفع ضريبة الإخلاص لفكرة لاتخصها. 
أشغل نفسي بالحياة لقد بدأت عمري من آخره ونحو الطفل أَكْبُرُ. 
-وما الذي تقترح أن يكتب على شاهد قبرك؟
فكرت بحوار بيني وبين اسكلبيوس في هذا الشأن وكتبت مايلي: 
الرصاصة جاهزة يا اسكلبيوس، جاهزة قبل رأسي، رأيتها قبل أن آتي، لكني صنعت ما هو أفضل :حملت كأسي وأنا أنتظر أن تأتيني بالنبيذ، لاتتأخر يا أسكلبيوس، اسأل عن الله كي تعرف كرمة جيدة ولاتبخل، نحتاج نبيذا جيدا يا اسكلبيوس
عامان فقط يا أسكلبيوس وتتفرغ لقطتك، عامان فقط وينكمش القلب مثل ورقة يعذبها الصيف، عامان يا اسكلبيوس ولايساومك القلب بي، القبر عرفت مكانه، ما أجهله هو الوجه، يوم غائم ممطر أم يوم مشمس، مهما يكن يا اسكلبيوس لاتنس أن تأخذ زوجتك لنزهة على الجسر، من هناك تستطيع أن تراني كما عرفتني في سقوط دائم كما يسقط المرء في فداحة وعيه.
إنني حتى لست منشغلا بمصيري بعد موتي وقد كتبت: تخاف الجحيم لصاحبك يا أسكلبيوس، حري بك أن تخاف لي الجنة، إني أفضل أن تسرقوني يا صديقي على أن تكونوا مدينين لي بشيء. 
أحرارا ستعرفون الله يا أسكلبيوس، لاتسلم على تاجر كن ممتنا فقط لعذابك.
أما على شاهد قبري فأحب أن تكتب العبارة المعاتبة التالية: ها أنتم تدفنونني في قبر واحد أنا الذي عشت متعددا ومت أشلاء بعضها يكفر ببعض كي توحدون بالموت من لم يتوحد بالحياة؟
-أبدا تستمع للموسيقى؟
ونفخ فيه من روحه، لعلها هي، لعل الموسيقى هي الكلمة السرية التي تنشر الغفران الوجودي وتصالح السماء بالأرض.
مرة هتف يسوع :” الهي لماذا تخليت عني ” ، وأنت بم تصرخ ، لو صرخت؟
سأقول ماقلته في قصيدة السماء المنخفضة: 
ولولا الجمالْ،
ما غَفَرْتُ لربي خطيئَتَهُ.
قال: كُنْ
قلت: ما أنا بكائنْ
قال: كُنْ
قلتُ: ما أنا بكائنْ
قال: كُنْ
فكنتُ،…. كي يكونْ
ومن دمعتي، جُبلت نطفتي
ومن دمعتي كنتُ.
قال: عذابكَ المسافةَ والجرحُ أنتَ.
عذابك شوكةُ الوعي تجرح حلقك 
وبكَ ستموتْ.
هو الرب
يشدني من شعر جوعي
كي أشحذ الرغيفَ
وكي أسمي الأسماء كما يشتهي.
-الآن ، حين تنظر إلى تجربتك ، كيف تقيمها ؟
إنها تجربة يائس، هي كتابة رجل على الحافة، إني أنصح بعدم الالتفات إليها، أحيانا يكون من المفيد أن نغلق كل النوافذ التي تفضح بشاعة الوجود، الدعاية للوهم ربما نفعت أكثر من سياط الحقيقة، لندع الناس يرقصون 
في الطريق إليَ تعثرت بكثير من الجثث التي قتلها ترددي أو ضعفي أو ذهولي أو وقوفي حين لم يكن ينبغي الوقوف أو ركضي حين لم يكن يستقيم الركض،وحده الحب أشار لي لجهة نفسي، هناك حيث أمكن لقلبي الصغير أن يستضيف كسفينة نوح كل رغائب الحياة وشهوات النور.
تجربتي نسخة رديئة للوجود كتابة عفنة متشنجة قذرة، إنني أوصي بالرقص حتى الثمالة وأوصي بالنبيذ حتى الصراخ، المديح تركته لغيري ،أنا أحاول أن أفهم كيف يتشكل الوعي الخاص برائحة كريهة، كيف تنظر لنفسها وكيف لاتهتم كثيرا بمواقف دعاة الطهارة، إنها تكتفي بأن تكون رائحة كريهة، تُعطرُ وجودها بصدق عجيب.
-بم يتهم ناسنا عمر ، عمر ناسنا ؟
أتهمه بالرحمة المبالغ فيها، بالشفقة التي تجعل الآلهة أكثر جرأة وجسارة، بقبول اللغة، هذه الجريمة الوجودية الكبيرة، جريمة القبول بالعلامة ومن ثمة الوقوع ضحية لها، أتهمه بتدبير الكتابة للنجاة من جنة الدم، الكتابة بشكل ما هي تواطؤ،وحده الصمت يمثل ذلك الاحتاج الوجودي الكبير الذي نخونه بفتح أفواهنا مدعين التعبير في حين أننا نحشو فم الحقيقة بالتراب. التراب الذي مثلته وسوف تمثله كل الكتب المقدسة السابقة واللاحقة ، التي كتبت والتي لم تكتب بعد.
-ألا تفكر في الخلود يا عمر ؟
سأجيبك بمقطع من إحدى قصائدي لأني أعتبر أن اللعنة الكبرى هي سقوطنا في فخ المعنى وشرك اللغة
هو الرب، يسمي الحقيقةَ
يعلمها كيف تكذب،
كيف تخدعُ
كيف تقنع الأخوين بالاقتتال.
لأن الزهرتين خانتا الشبهَ
لأن القرابين لم تكن كما يشتهي الميزانْ
من سواكَ أيها الميزانْ؟
من قال إن التعادل تساو ؟
من قلم أظافر الظلام كي ينام النور مطمئنا للخديعة؟
من رفع السماء على تراب الأرض
كي يقول الرأس للأقدام سيري كما أشتهي؟
من أقنع المرأة بالغياب
كي يستقيم الحضور لشوكة الرجل؟
من ألبسنا لنسحل عرينا؟
من نصب تحت أضلاعنا قلبا يدين بالولاء لغيرنا؟
هي السماء خفيضة
يقول بحار لا يشتهي من البحر حوتا
بل رياحا وامرأة لا تخون.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *