هل هناك أدب إسلامي؟




*عيد عبدالحليم-القاهرة

ظهر وبقوة خلال الفترة الماضية مصطلح “الأدب الإسلامي”، الذي راحت تروّج له التيارات الدينية في مصر، خاصة بعد تولي د . علاء عبد العزيز وزارة الثقافة المصرية، والذي أدلى بتصريحات عدة أكد فيها أنه جاء ليبرز هذه الثقافة الإسلامية . وإذا كان الأمر كذلك فما أهم ملامح هذا النوع الأدبي إن وجد في الثقافة الحديثة؟ وبماذا يختلف عن الأنواع الأدبية الحديثة المتعارف عليها؟ هنا مواجهة حول هذا الموضوع بين ناقدين هما د . حامد أبو أحمد ود . الطاهر مكي .

د . حامد أبو أحمد: لا يمكن التعامل مع الأدب وفق القواعد الدينية
يرى الناقد د . حامد أبو أحمد عميد كلية اللغات والترجمة الأسبق في جامعة الأزهر أنه لا وجود حقيقياً لما يسمى بالأدب الإسلامي فالعالم والأدب لا يمكن التعامل معهما وفق القواعد الدينية فهما مرتبطان بتطور الوجود الإنساني على الأرض . 
هل ترى أن هناك أدباً إسلامياً كما يروج البعض لذلك؟
بدأت الفكرة تنتشر بين أساتذة الجامعة في منتصف الثمانينات من القرن الماضي لكن لم تظهر على مر التاريخ العربي هذه الفكرة، كانت هناك فترات مثل “الأدب الجاهلي” و”فترة شعراء الرسول” لم يكن ذلك بالمفهوم الأدبي، إنما جاء حسب العصور التاريخية فقط، وفي العصر الحديث حاول بعض هؤلاء الأساتذة أن يرسخوا هذا الاتجاه وأصدروا مجلة تحت عنوان “الأدب الإسلامي” يشرف عليها د . عبد القدوس أبو صالح وتصدر من الرياض، وهذا الناقد سوري ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان منهم في مصر د . حلمي القاعود ود . عبده زايد، وهناك عدد آخر يرسخون لهذه الفكرة، ويروجون لها فكونوا ما يسمى بمجموعة “الأدب الإسلامي”، وكتبت منذ فترة أنهم لم يستطيعوا أن ينظّروا لهذا الأدب إلا بشيء واحد وهو الالتزام الأخلاقي، والالتزام الأخلاقي ليس متعلقاً بالأدب الإسلامي .
هل يؤثر البعد السياسي في رواج مثل هذه المصطلحات؟
البعد السياسي لن يكون له تأثير في هذا، فقد ظهرت مصطلحات أخرى مثل الاقتصاد الإسلامي، له حجج وبراهين تعطيه مصداقية، خاصة في ظل الاقتصاد الرأسمالي البشع، فهو اقتصاد له ملامح واتجاهات وإجراءات . 
لكن هناك أشياء لا نستطيع أن نقول عنها إسلامي أو غير إسلامي مثل الطب والأدب، لا يمكن أن تجد لها مبررات من داخلها، فالأدب مثلا أمر إنساني، أنا شخصيا لا أرتاح إلا في قراءة الأدب الأجنبي . فأنا أعكف حاليا على قراءة الأعمال المترجمة لأورهان باموق وكالفينو وغيرهما .
لا يمكن أن تضيف الأدب إلى إسلامي أو مسيحي، الأديب الجيد لا بد أن يقرأ أعمال جوركي أو بورخس أودون كيخوته، أو بابلو كويلهو، فالأدب هو تعبير عن الإنسان في أحلامه وطموحاته وأفكاره وطريقة حياته .
عندما تقرأ رواية “عائلة باسكول ديورتو” “لكاميلو خوسيه ثيلا . هذه الرواية تعبر عن أزمة المجتمع بعد الحرب الإسبانية، ولا تستطيع إلا أن تقرأ رواية “الفسكونت المشطور” وتعجب بها، فالحس الإنساني هو أحد العناصر الأدبية، دون النظر إلى غير ذلك .
هل تعتقد أن وجود مثل هذا النوع يؤثر في الأنواع الأخرى بالسلب أو الإيجاب؟
لا الأنظمة الحاكمة ولا غيرها يمكنها أن تتدخل في مسار الأدب، هذه أمور سياسية لا بد أن تنتهي .
الأدب إذا لم يعتمد على الواقع فمآله إلى الفشل، فالأدب لا يقدم البشر الأسوياء فقط، الأدب يقدم الواقع، ليس هناك واقع أخلاقي مطلق .
لكن بعض الجامعات تروج لهذا المصطلح، وبعضها الآخر لا يرحب بتدريس المدارس الحداثية في الأدب والفن؟
المشكلة أن الجامعة في حالة انهيار كامل لم يعد بها أدب ولا علم ولا ثقافة 90% من الأساتذة غير مؤهلين للتدريس في الجامعة الآن، فنحن نريد أنظمة سياسية حاكمة تنهض بالتعليم .
* * *
د . الطاهر مكي: التصوف النموذج المثالي للأدب الإسلامي
يؤكد الناقد والمترجم د . الطاهر مكي أستاذ الأدب المقارن في كلية دار العلوم جامعة القاهرة أن الأدب الإسلامي موجود وبقوة في تاريخ الأدب العربي وأبرز نماذجه هو “أدب التصوف”، الذي جاء نتيجة اختلاط وجدان الأديب بمفاهيم وقواعد الإسلام . 
هل ترى أن هناك أدباً إسلامياً كما يروج البعض لذلك؟
بالتأكيد هناك أدب إسلامي وأدب غير إسلامي وعلى مر التاريخ العربي وجد هذا النوع بقوة، وبكثرة أيضا متخذا أشكالاً عدة لعل من أبرزها أدب التصوف فلا يكتب أدباً صوفياً عالياً من حيث الجودة وقوة البالغة إلا من كان متديناً .
فالأدب الصوفي أدب إسلامي، لأنه جاء نتيجة اختلاط وجدان الأديب بمفاهيم وقواعد الإسلام العميقة .
لكن كان هناك دائما اتهامات من قبل التيارات المحافظة للصوفيين بأن عندهم “شطح” يخرجهم عن التعاليم الدينية، لذلك رأينا اتهامات لأمثال الحلاج وابن عربي والسهروردي بالزندقة وغيرها من الاتهامات!
أولاً الصوفية مذاهب وطبقات، وكل صوفية لها أدبها، وأعني بالصوفية هنا الأشخاص الذين كان لهم فلسفة معينة في الحياة كابن عربي وابن الفارض .
أما عن الاتهامات التي تعرض لها بعض الصوفيين فلها ظروف سياسية تخفت وراء الدين، ولأن الصوفيين بشر يؤمنون بما يعتقدون، لم يراوغوا ولم ينافقوا، لذا كانوا دائما في المواجهة، وتعرضوا لمخاطر وصلت إلى حد القتل والتصفية الجسدية كما حدث للسهروردي والحلاج، وغيرهما .
والنماذج الأدبية التي نراها في هذا الإطار تتميز بمستوى فني عالٍ جدا، بما فيها من قوة البلاغة وقوة التأثير أيضاً، لأنها كتبت من خلال أرواح صافية، وعزيمة قوية تجلت بالإيمان الخالص، ومن يقرأ أشعار ابن الفارض ورابعة العدوية على سبيل المثال سيجد هذا الجانب حاضرا وبقوة، كذلك من الناحية الفنية سنجد أن هذا النوع من الأدب استفاد من المنجز البلاغي العربي كثيرا وطوّعه ليوافق الخطاب الأدبي، خاصة البعد الرمزي بما فيه من اختزال وتكثيف، مما يتيح فرصة أكبر لاتساع الدلالة، وهذا هو المفهوم المقصود من جملة “إذا ضاقت العبارة اتسع المعنى” .
هل تعتقد أن الحالة السياسية هي التي تساعد على رواج مثل هذه المصطلحات؟
ربما، لكن الأساس هو ما يقدمه هذا الأدب من خواص وتقنيات، فهو أدب يكتبه أدباء مسلمون بوجدان إسلامي، وهذا النوع “الأدب الإسلامي” كان إحدى الوسائل للدفاع عن العقيدة الإسلامية، خاصة في عهدها الأول، مثلما حدث مع شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم أمثال عبدالله بن رواحة وحسان بن ثابت الذي كان له منبر في مسجد الرسول ينشد من عليه أشعاره في الدفاع عن الإسلام ومبادئه وفي مدح رسوله الكريم .
لكن دعني أقول: إن هناك مراحل لازدهار هذا النوع من الأدب ربما ترتبط أحيانا بالحالة السياسية، ولذلك نجد كثيرا من نماذج هذا الأدب مرتبطة بمفهوم المقاومة وإعلاء القيم الإنسانية وفق منهج ديني قويم .
وأحيانا يتخذ هذا النوع قناعاً فلسفياً كما أشرنا في حالة الأدب الصوفي، وفي القلب منه تجربة الشعر الصوفي على وجه التحديد .
لكن كثيرا من النقاد عادة ما يربط المسألة بالحالة السياسية في تقييمه لنماذج الأدب الإسلامي؟
أعتقد أن المسألة مرتبطة بشكل أكبر بسؤال جوهري هل يتمثل هذا النوع ويتمسك بجماليات الفن والإبداع أم لا؟
وفي هذا الصدد يمكننا أن نحكم على النماذج المتاحة بعيدا عن فكرة الشكل، فإذا جاء هذا النوع معبرا عن الإنسان وقضاياه المعاصرة، ومرتبطا بصيغ جمالية فأهلا وسهلا مثله مثل باقي الأنواع الأدبية سواء كانت حداثية أو غيرها، فالإبداع إبداع وإن تغيرت صورته وأشكاله .
_________
*(دار الخليج) الثقافي 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *