إيان بانكس: ودّع الحياة دون رؤية كتابه الأخير


ترجمة: أحمد فاضل

من المحزن حقا أن يودع الكاتب الحياة وهو يأمل برؤية عمله الأخير بين يدي القارئ ، أو يجده قد أثار الشارع الثقافي وشغل النقاد به وحاز على أرفع الجوائز ، وقبل وفاته بثلاثة أسابيع أعلنت ” ليتل براون ” وهي الدار العريقة للنشر والتي ترتبط بعقد نشر أعمال الكاتب الأسكتلندي إيان بانكس أنها عرضت عليه النماذج الثلاثة من روايته الأخيرة ذي كواري ” المقلع ” والذي احتفل بها مع بعض أصدقائه القدامى ومعجبيه من العاملين بدور النشر ، لكنه لم يتمكن من رؤيتها وهي تتصدر المكتبات فقد رحل مؤخرا عن عمر 59 عاما بسبب إصابته بسرطان المرارة الذي انتشر إلى كبده وعقده اللمفاوية ثم على الأرجح إلى البنكرياس وأدى إلى ورم حول الأوعية الدموية بحسب التقرير الطبي الذي أعلن ذلك ، في ذلك اللقاء الأخير معه في بيته قال :

– أنا صحيا سيئ للغاية ، إنها حقيقة ولكوني قادرا على إعلان ذلك فهذا يعني أنني أعلن بدء رحيلي عن الدنيا وهو شبه مؤكد وأن نصيبي من حبكم سوف يكون معي في العالم الآخر .
كان يتكلم بهدوء وبسخرية أيضا ، هذه السخرية العميقة التي تميزت بها أعماله جعلته يطلب من صديقته أديل هاردلي الزواج قائلا :
– يا حبذا لو تشرفيني وتصبحي أرملتي.
وهذا ما تحقق بالفعل ، إذ نعته قائلة :
– آسفة .. النكتة التي ألقاها علي بانكس كانت حقيقية ، فعندما تزوجته ها هو يودعني في ساعة مبكرة من صباح هذا اليوم الأحد ( 9 يونيو / حزيران الحالي ) ، كان موته هادئا وبدون ألم .
وكان إيان بانكس أحد أكثر الكتاب البريطانيين شهرة ونجاحا هناك ، إذ اختارته صحيفة ” التايمز ” في العام 2008 واحدا من أعظم الكتاب المفضلين لدى البريطانيين ، وهو كاتب من الصعب تعويضه في عالم الأدب وفق البيان الذي أصدره ناشره بعيد رحيله باعتباره صوتا جديدا وملحوظا في الخيال الأدبي ، بدأ مع روايته الأولى ذي واسب فاكتوري ” مصنع الدبابير ” عام 1984 التي تتحدث عن شخص غريب الأطوار ارتكب في طفولته جريمة راح ضحيتها 3 أطفال من بينهم أخوه الأصغر وابنة عمه ، الرواية حقق بانكس من خلالها نجاحا أدبيا كبيرا واستمر في نشر رواياته التي لقيت إشادة كبيرة حيث بلغت 29 رواية تنتمي أكثرها إلى الخيال العلمي ، منها سلسلة تتألف من 9 روايات تتحدث عن حضارة تقع في إحدى المجرات الكونية الخارجية ، حيث يصف لنا حياتها وطريقة عملها وكل الأحداث التي يمكن أن تقع هناك ، ويجد المقربون منه أنه كان يكتب بسرعة كبيرة ، إذ يمكنه إنهاء كتابة رواية في مدة 3 أشهر فقط .
ولد بانكس عام 1954 في دنفر ملاين باسكتلندا لضابط كبير في البحرية البريطانية وبطل سابق لرياضة التزلج على الجليد ، درس الأدب الإنكليزي مع الفلسفة وعلم النفس في جامعة ستيرلينغ ، في عام 1979 انتقل إلى لندن حيث عاش في إحدى شققها بعد عثوره على عمل بأحد مكاتب المحاماة ككاتب حسابات ، من ذلك المكان انطلقت كتاباته حيث بدأ بكتابة العديد من القصص القصيرة التي وضعته على أعتاب الرواية الطويلة بعدئذ ما جعل من ماكميلان للنشر المحدودة وهي شركة عالمية يملكها جورج فون هولتزبرنيك ولديها مكاتب في 41 بلدا أن يطلب منه نشر روايته ” مصنع الدبابير ” عام 1984 ، بينما تولت دار نشر ليتل براون بعد ذلك نشر أعماله الأخرى بدءا بمجموعته القصصية الأولى عام 1991 ، حيث أظهر ماكس قدرة فريدة في جمع الخيال العلمي بالكوميديا السوداء وهي من المحاولات الأولى من نوعها في عالم الرواية كما يعبر عنها كونال دوتا الناقد الأدبي الإنكليزي ، بينما يقول عنه الكاتب كين ما كلويد أنه ترك لنا مجموعة كبيرة جدا من الأعمال سواء في الأدب السائد أو الخيال العلمي ورحيله هذا ترك فجوة كبيرة في الساحة الأدبية الأسكتلندية فضلا عن العالم الواسع الناطق بالإنكليزية .
ووسط جمع كبير من المشيعين وقف أليكس سالموند الوزير الأول في اسكتلندا ليقول :
– لم يكن تصميمه على نشر روايته الأخيرة ورؤيته لها قبل رحيله فقط ، بل يعكس هذا التصميم مدى حرصه على اتقان عمله وجعله أكثر تأثيرا في المجتمع ، أشعر أنه كم كان قريبا مني بكتاباته ، وكم أعشق حروفه التي من خلالها حقق طموحه الحقيقي في أن يصبح كاتبا محترفا يتفاعل قارئه مع ما يكتبه وهو اسمى ما كان يقصده من حب .
إيان بانكس سبق وتلقى (18)جائزة كما حصل على وسام واحد عن مجمل أعماله الروائية الخيالية العلمية ، وحصل كذلك على لقب أفضل الملغزين الشباب في الرواية البريطانية عام 1993 وتكرر منحه هذا اللقب أربع مرات .
بانكس في روايته الأخيرة يتحول من الغرائبية إلى الواقعية متسائلا فيها عن معنى الإنسانية ومستكشفا بالوقت نفسه جميع حقائقها .
___________
*(المدى)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *