* خليل قنديل
بعض المؤلفات السياسية التي تصدر في طبعات سريعة هذه الأيام لا تختلف على الإطلاق عن فكرة الوجبات السريعة، من حيث سرعة استجابة هذه الكتب في حيثيات إصدارها للواقع الذي بدأ يفرج عنه «الربيع العربي». والمشكلة في هذه الكتب لا تقع على كاهل المواطن العربي الملجوم قرائياً تحت طائلة المنع والمصادرة، وربما الاعتقال أحياناً، بل تقع المشكلة على كاهل بعض المنظرين السياسيين العرب الذين يكاد الواحد منهم يفرش وينام أمام المطبعة الجاهزة لتلقف «بيضه» السريع!
وفي هذا المقام، ربما مازال المواطن المصري، والعربي عموماً، يذكر تلك الهمة في نشر الكتب التي كانت تحفر في التجربة الناصرية، على إثر الانقلاب الذي قاده الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، وذلك حينما بدأ بالانقضاض على المرحلة الناصرية، والعمل، بقصدية، على كشف عورة النظام الناصري، فبدت تلك المرحلة بالنسبة إلى كتبة بعض المؤلفات وكأنها الفرصة المناسبة للعبث بالموروث الناصري، وإلى ذلك بدأت تتوالى الكتب السياسية في إصدارت مكثفة همها الأول والوحيد الطعن في المرحلة الناصرية؛ وقد كان لهم ذلك من دون حسيب أو رقيب.
ولعله من نافل القول تأكيد أن مثل هذه الكتب لم تأخذ إيقاعها الحضاري المؤثر والعميق، خصوصاً أن الثورة المصرية التي انطلقت من ميدان التحرير أكدت النبع الناصري الذي كان يغذي الحركة الطموحة للشباب المصريين وهم يعاودون رفع صور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
والغريب أن كتابات التدخل السريع في المراحل السياسية التي تعيشها الشعوب العربية، خصوصاً في مرحلة تفجر «الربيع العربي»، قد زينت لبعض الكتاب فأخذوا يستعجلون الكتابة عن الرموز الديكتاتورية العربية، على اعتبار أن اسم الديكتاتور المنقرض أو المقتول أو المطلوب القبض عليه، حينما يحط على الغلاف فإن هذا يستدعي استنفار القراء وتراكم الطبعات!
فنحن حينما أسقط ثوار ليبيا الديكتاتور معمر القذافي، بدأنا نقرأ بعض الكتب المختصة بشخصية القذافي، فصرنا نقرأ بعض الكتب التي تحمل عناوين مشوقة مثل «القذافي كان صديقي»، أو «سنوات عشتها مع القذافي»، أو «جماهيرية الرعب»، وهكذا، وقد شاهدنا كيف يتم الإقبال الأعمى على مثل هذه الكتب في زحمة الفضول، وخبث المؤلفين!
ولأن الحبل على الجرار، كما يقولون، فإن المؤلفات في مثل هذا المقام العربي ستصدر من تونس لرصد مرحلة بن علي، ومن مصر لرصد مرحلة سقوط مبارك، وبالطبع ليس من الغريب أن بعض الكتاب يستعدون للحفر في شخصية بشار الأسد وتداعيات سقوطه المتوقع، لكن السؤال الذي يستدعي الإجابة: هل أخذ التاريخ مداه الحقيقي في الكشف عن سوءة هذه الأنظمة؟
إن التاريخ الذي يسير بلا عجالة هو وحده القادر على الإضاءة الكاشفة والخالية من النيات المشبوهة في دراسة أي معطى سياسي طارئ، وإن كتابة التاريخ، وهو بهذه الطازجية، تحتمل الختل وتصفية الحسابات.
أما كتّاب الوجبات السريعة فلهم كل هذا الربح، ولهم كل هذا العدد الهائل في الطبعات!
__________
*(الإمارات اليوم)