لانا راتب المجالي *
(ثقافات)
عندما هتفَت مارغريت ميتشل على لسان أحد أبطال روايتها” ذهب مع الريح” : (أنتم جميعاً لا تعرفون الحروب، أنتم تظنون أن الحرب هي ركوب جواد جميل، وفتيات جميلات ينثرن عليكم الزهور، والعودة إلى بيوتكم أبطالاً. حسن: لا يا سيدي; إن الحرب ليست كذلك). كانت تدرك تماماً، أنّ مجرد إلقاء أنفسنا عراة في البحر ، لا يعني أننا نتقن قواعد السباحة، وأنّ قدرتنا البيولوجيّة على إنجاب الأطفال لا تثبت معرفتنا بأصول التربية والعناية بهم، وأنّ إيماننا العميق بضرورة تحقيق العدالة والحريّة ، لا يعطي مؤشراً على أننا نتقن فن الثَّوْرَةُ.
ورغم انحيازي إلى مبدأ التعلّم من خلال “الصواب” و”الخطأ ” في حال نقصان المعرفة، إلا أنّ الواقع يفرض تقنين استخدامه، في الحالات التي يسبب “الخطأ” فيها، كوارث إنسانيّة، أو حضاريّة; كالثَّورة مثلاً.
تلك التي مثل نَبيّ أمين، جاءت ، ولمّا تنشف بعد معاصينا الملوّنة المعروضة للتوبة فوق حبلٍ طَويل في ساحةِ الوطن الكبير.
ولم تَكُ فَظّة، ولا غليظة القلب، ولا ضيّقة، ولا مُنفِّرة ، ولا مائِلة، ولا مميلة، ولا مُبتذلَة، ولا نفعيّة،.. لكننا فعلنا كلّ شيء كي تكون كذلك.
هكذا، نتيجة للجهل، وبخطأ تاريخي لا يُغتفر قمنا بتحويل الثَّورة التي هي تغيير جذري وعميق ، للنظام الاجتماعي القائم، عندما يتنامى وعي الطبقات المضطهدة بالاستغلال الذي تعانيه، فتنظم نفسها للاستيلاء على السلطة وتحقيق أهداف ومثل جديدة. إلى مجرد” تمرد” والذي يتقاطع مع مصطلح الثورة دون أن يتساوى معه. ولا أقصد هنا المعنى الفلسفي الوجودي للتمرد كما هو الأمر عند البرت كامو; لكنني أتحدث عن احتدام الوعي بالظلم واللامساواة وانعدام الحريّة داخل مجتمع معين، الذي قد يتسبب بانتفاضة ضد النظام القائم، لكن فاعليته تأتي-غالباً- بنتائج معاكسة إذا افتقد للتخطيط وللمشروع السياسي والفكري الناضج.
التمرد ، إذاً، ثَورة عاقر، لا تنجب قصص حبّ عظيمة تحمل ملامح التنوير والنهضة المُشتهاة، وستبقى كذلك حتى نثور-أولاً- على ديكتاتورات عتيقة تسكن في أعماقنا وتجبرنا على إقصاء الفكر الآخر، واللون المحايد، واللغة غير المفهومة ، والملامح الغريبة، والصوت المنخفض ، والرائحة غير المألوفة.
وستبقى كذلك، حتى نعيد الاعتبارلروح العمل الجماعي في سبيل مجتمع يقبل التعدديّة، والصراع الفكري المفتوح بعيداً عن الإرهاب والقمع والتخوين والتكفير .
لقد دفعنا ثمناً حضاريّاً باهظاً، حتى الآن، لأننا لم نتعلّم أن الثَّورة فن، والفن الحقيقي عملية خلق، إذ يخرج المخلوق حيّاً بكامل حسناته وعيوبه التي تستمر معه طيلة حياته، ونحن لا نريد أن نضيف إلى تاريخنا المُثخَن بالجراح، جرحاً نازفاً جديداً، بحجم ثورة عاقِر.
________
*شاعرة وكاتبة من الأردن
( مديرة تحرير ثقافات )