قِسْمَة


*مرزوق الحلبي

(ثقافات) 

(مهداة إلى جورج طرابيشي) 
لهم جناتُهم لغة من الأشجار والماء المصفّى
وحور العين والبارودْ 
لهم الخلافة والخُرافة،
والتذكّر والتمنّي
(والتمني كالتذكّر)
لهم أن يستحضروا الأمواتَ من جدثٍ
ووهمٌ أن يُطلّ الغابرون من سرايا المسجد الأمويّ،
من ساحِ المدينةِ.
وأن يعود الفاتحون مع الحرير ومع الحرائر
من عمارةِ أصفهان.
لهم أن يتفجّعوا ألفيّ عام إلى الوراءْ،
أن يندبوا 
أن يستعيدوا قصائدَ الخنساءَ 
ويهللوا للقادمين من غيب
ومن غبار الذاكرة.
لهم توق إلى ماض مضى،
لا هو شيء من الأشياء يُذكر
أو يُفسّر
لهم شغف بصناعة السجاد والقصص،
لكل واقعة رواة عن رواة عن رواة
لا في دارهم حسب ولا نسب
لهم الخلافة والخُرافة
ولي قط وديع فارسي الوجه
يأكل من يديّ
ثم يغفو فوق مكتبتي قرير العين
يتداولون محاسنَ الألفاظ كأن عكاظ 
ما انفكت تغنّي،
كأن اشبيلية انتصرت على تاريخها الآن
والفاطميون على ضفاف النيل هنا
والأئمة جالسون، هنا
والمعزّ لدين الله 
وسابقه العزيز، هنا.
وخليفة الحكم الرشيد له في ليلهم قدَر
وغدر،
تباغته الحناجر 
والخناجر والحراب
في باب خيمته
في حُرمة المحراب
لهم وهم الرجوع إلى البداية من نهايتهم.
لا بدّ للمهزوم من معنى يعود إليه من تيه
لا بدّ للمهزوم من إرث يضمد جرح حاضره
ويعطي لذاته حجما وللمعنى امتدادا،
دفاعا عن توازنه
دفاعا عن وجودٍ خارج المعقول.
لهم ما شاؤوا من وهم بأن الماضي ماضيهم همُ
وأن الماضي أنصفهم
أو أنصفوه، 
فلا ينسى مودتهم
وأن الماضي حاضرهم
وسيّدهم ووليّ نعمتهم
وأن الماضي لم يمضِ
ولم يمت الصحابة..
لهم وهم بأن الله يرصدهم على باب المدينة
والنساء على سور الأحاديث وأبواب القصائد
ذاهبات آيبات
ينتظرن العائدين من مستقبل سُدّت منافذه
ومن نصٍ تصحّر وانغلق.
لهم هذا،
كلّ هذا.
ولي قلم يسافر في اللغات ليكتبني
ولي ردة في المزهرية! 
30 نيسان 2013
________
* شاعر وناقد من فلسطين

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *