وجع الأسنان وخطيئة آدم


*باسم سليمان

في وصف ديلمون الجنّة السومرية يعرج الكاتب السومري بشكل يدعو للغرابة على موضوع وجع الأسنان الذي لم يكن قد خُلق بعد. من السهل قبول موضوعة عدم الافتراس وعدم الجوع في هذه الجنّة لكن وجع الأسنان يبدو غريباً أو مقحماً أو أنّ محقق النص السومري أوحتْ له الكتابة على ألواح الطين بهذه الترجمة. تتعدد الاحتمالات ولكن لنقف قليلاً عند موضوعة وجع الأسنان أو التسوس.
التسوس أو السوس كثيراً ما نستخدمه للتعبير عن وجع ملح أو أمر لا يغادر الذهن وكأنّه إدمان أي وساوس تجيء وتروح في ذهن الشخص وقدمت المدونة الدينية وصفاً تأتى للشيطان من وسوسته لآدم وحواء ودفعهما للخطيئة وسُمي الوسواس الخنّاس والخنس لغة تعني النجم الساقط أو الذي على وشك المغيب والشيطان هو لوسفير/ الملاك الساقط/ الساتان وإلى ما ذلك من أوصاف تؤكد أنّه الوسواس الخنّاس الذي يلقي بوساوسه في صدور الناس وقبلهما آدم وحواء.
الصدر وإنْ كان يعني القلب, هو كآلة فيزيولوجية مسؤولة عن النطق وإخراج الكلام عبر الحبال الصوتية والفم عبر دفع الهواء والصوت لا ينتقل إلا ضمن وسائط أفضلها الهواء الذي ينقل الصوت للأذن.
والشيطان بذاته كائن غير مرئي بحكم أنّه من الجّان وبالتالي لا نستطيع أن نعتبر وسوسته مرئية بقدر ما هي سمعية لأن الخطاب الإلهي يأتي وحياً أو من وراء حجاب, فالأمر الذي وجه لآدم وزوجته على شكل : لا تقربا تلك الشجرة سوف يؤدي إلى أن تكون وسوسة الشيطان من ذات الطريق لتمحي أثر الأمر الأول وتصبح : اقربا هذه الشجرة.
هنا علينا مقاربة العضو المسمى ” الأذن” والأذن هو ذاته يأخذ معنى الأمر وبصيغة أخرى للغة يلفظ: “أدن” وكأنّه فعل الأمر” ادنُ” لكي تستمع للأمر, فالقرب هو الذي يؤكد الإصغاء للأمر, فالأذن تحمل عدة معان من ضمنها أنّها عضو السمع وأنّها مكان الأمر وزمنه.
نعود للصدر وآلته التي تقتضي دفع الكلام, فالمأمور يجيب الآمر بأن يقبل هذا الأمر وإذا كان الأمر الإلهي : لا تقربا هذه الشجرة, فيكون الجواب : نعم لن نقرب هذه الشجرة وفي حالة الشيطان وأمره/ وساوسه يكون الجواب: نقرب هذه الشجرة, فالفم هو الوسيط الذي يُظهر حسن الاستجابة أو عكسها وقد قيل يوماً: ليس الذي يدخل الفم هو الذي ينجس بل الذي يخرج منه.
وهنا نتنبه أنّ المكان الأول الذي تظهر فيه مفاعيل الوسوسة أي الفم كونه آلة النطق إذ به تمتْ الإجابة على وسوسة الشيطان ونحن نعرف أنّ السوس أو تسوس الأسنان يكون بالفم نتيجة للجراثيم أو من تخمر السكريات وإلى ما ذلك لكن لماذا سُمي سوس ولماذا ذكرت المدونة السومرية تسوس الأسنان ووجعها فيها مع أنّه ليس أشد الأمراض!؟.
لا ريب أنّ المدونة السومرية كانت هي الأصل الذي يتكلم عن الخطيئة الأساسية وهي قد ألمحتْ لذلك عبر الفم وتسوس أسنانه البيضاء, فالمخطئ كالشيطان والذي ذُكر أنّه كان يشع نوراً أي هو كائن أبيض ولكن بعد فعلته تلك أسود كما يسود السنّ المصاب بالسوس وهكذا كان وجع الأسنان الدليل على وقوع الوسوسة بعدما خلق أنكي الإنسان على صورته واسكنه ديلمون, فدلالة وجع الأسنان تقع للإنسان الذي خالف أمر إلهه بالاستماع لوسوسة الشيطان. تتناص المدونة البشرية بعضها مع بعض لتقدم لنا رؤية الإنسان لوجوده القديم الغارق في ضبابية تشبه العماء الأول.
تتضح الآن الدلالات المغفلة في المدونة السومرية وذكرها لوجع الأسنان.
__________
*كاتب من سوريا

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *