“شعراؤنا صانعو مجد أرمينيا”لجولي مراد


*

أَهُم الشعراء صنعوا مجد أرمينيا، أم القديسون، وهم من الأوائل في المسيحية، كما هي الكنيسة الأرمنية؟ أهم الابطال الذين تروى أساطيرهم وبطولاتهم، أم الشعب الأعزل الذي أبيد بالألوف؟ جميعهم صنعوا مجد أرمينيا، لكن جولي مراد آمن بقدرة الكلمة، كما آمن بها يوحنا الحبيب الانجيلي فرسمتها أيقونة في محراب الشعر والرسم، فصنعت مع صانعي مجد أرمينيا، مجد الكلمة الأرمينية بالعربية.

“شعراؤنا صانعو مجد أرمينيا” مجلد في 445 صفحة (دار المراد)، جمع قصائد الشعراء وسيرهم الذاتية الى جانب رواد الفن التشكيلي، فاكتمل الشعر بالرسم وصدحت الموسيقى بكلمات الطرب التي اتحفنا بها الذين قدموا للكتاب وأوضحوا مراميه. قصائد أرمنية من روائع الشعر العالمي تفخر بها الأمة الأرمنية.
اللوحات من التراث الأرمني وتاريخه، في فرح الشعب وحزنه وألمه وشغفه وقدسيته ومذابحه، انها هو حيثما كان وفي كل أحواله. رسوم وأيقونات ولوحات رافقت الشعر في رحلة الغنائية والشغف فبنت ملحمة الشعر والموسيقى والأدب والتاريخ المفعم بالبطولات. يحفظ المجلد تراثاً أصيلاً للأمة الأرمنية التي قاتلت الطغاة واستبسلت في وجه المعتدين. فقدت آرارات رمزها المقدس وأراضيها الخصبة عقب ابادة عام 1915، لكنها استمرت تسجل سيرتها في كتب التاريخ سواء في ارمينيا او الشتات.
سيرة الشعراء الأرمن وقصائدهم الدينية والوطنية جبلتها الأيام جزءاً أساسياً من تراث أمة زخرت بحضارة عريقة عاشت قروناً على رغم تعرضها لنكبات غزو وبطش وتقتيل على يد العثمانيين الاتراك ثم خضوعها للحكم السوفياتي.
أجادت جولي مراد في الاختيار والترجمة فنفحت الشعر الأرمني فصاحة العربية وبلاغتها، حين جمعت 35 شاعراً وأديباً وموسيقياً كلهم في مرتبة القداسة، وان لم تسمّهم قديسين، فبعثتهم من الموت الذي أصابهم خبط عشواء، ابادة او اضطهاداً أو مرضاً، وبعثت بهم تراث أمة لا تموت.
واذا كانت قصائد هؤلاء على غنائيتها وشغفها وبطولاتها متعة للذائقة الأدبية والاحساس بالكلمة الحرة الأبية، فان سفراء اللون الاثنين والخمسين، بلوحاتهم وأيقوناتهم، هم شغف الروح إذ ترتقي الى باريها. فالرسوم التي ضمّها المجلد متحف يحاكي روح الكلمة في القصائد المنتقاة. وبذلك تمثّل المجلد روح أرمينيا، لأن الأرمن “برز ابداعهم بشكل خاص من خلال المنمنمات التي زينوا بها مخطوطاتهم النفيسة”، كما كتب محمود الزيباوي.
من الأسطورة تبدأ المختارات مع فاهاكن إله الحرب والبطولة في الأساطير، بقصيدة عنوانها “ولادة فاهاكن” من الأم الأرض والأب السماء. وتعبر الأساطير الى “أناشيد كوغتان”، ومن الأساطير الى القديس مسروب ماشدوتس مبتكر الحرف الأرمني وصانع مجده وواضع أسس أوزان الشعر وقوالبه ومكتشف ستة وثلاثين حرفاً من الأبجدية الأرمنية.
الملاحظ ارتباط الأدب والشعر الأرمني في المراحل الأولى باخبار الكنيسة، ربما تعبيراً عن انهم كانوا الأكثر علماً وشغفاً بالتراث الأرمني الوطني.
ومن الاحبار وتراتيلهم ومدائحهم وأناشيدهم الدينية الى الشعر المغنى في التراث الشعبي، ثم الشعر الرومنطيقي متوافقاً مع ثورة موسيقية ونقلة نوعية في الفن التشكيلي. شعراء قضوا مرضاً في عز الصبا والشباب، بيدروس توريان (20 عاماً) كاريكين بشكوتوريان (23 عاماً) مساك مزارنتس (22 عاماً). أو قتلاً على يد الأتراك مثل روبين سيفاك (30 عاماً) ودانيال فاروجان (31 عاماً) وآدوم هارجانيان (37 عاماً). أو على يد الشيوعية السوفياتية مثل باروير سيفاك (47 عاماً).
وبين الشعراء الـ 35 امرأة واحدة هي سيبيل (زابيل خانيجيان) التي اهتمت بقضايا المرأة فضلاً عن كتابتها الأدب.
كتب الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان في كلمة للكتاب “تراثنا الشعر يزهو باللغة العربية متألقاً. شعراء غدت سيرهم أساطير حفرت في ذاكرة التاريخ ملاحم ومآسي، قصائد مست أناشيد وصلوات تتردد في البيوت والحقول”.
_________
* (النهار)

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *