*أنطوان جوكي-باريس
ضمن سلسلة الكتب التي تصدرها دار “سكيرا” الدولية للتعريف بوجوه الفن العربي المعاصر، صدر حديثا كتاب حول الفنان المغربي منير فاطمي بعنوان “مفردات مريبة” يتضمن صورا عن أبرز إنجازاته، ودراسة للناقدة الفنية الأميركية ليليان دايفيس.
وتحلل دايفس في الكتاب الظروف الثقافية والسياسية التي اختار هذا الفنان استكشافها من خلال وسائط فنية مختلفة، كالتصوير الفوتوغرافي والفيديو والتجهيز وفن النحت.
وتتوقف الناقدة الأميركية في البداية عند ولادة فاطمي (عام ١٩٧٠) ونشأته في أحد الأحياء الفقيرة بمدينة طنجة، لإظهار الدور الذي لعبته بيئته الإجتماعية في خياراته الفنية اللاحقة. ولأن هذه المدينة كانت أيضا مسرح نشاط شعراء وكتّاب جيل “البيت” الأميركي في الخمسينيات، تقارب دايفيس تأثر الفنان الباكر بنصوصهم لتفسير رغبته في الرحيل والاستكشاف والاختبار.
رسوم ونصوص
يرحل فاطمي أولا إلى روما لإكمال تعليمه الفني، ثم إلى مدينة ليل الفرنسية عام ١٩٩٧ حيث أنجز سلسلة “اللوحات الممحية” عبر تغطيته لسطح لوحاته السابقة بطبقة من الأكريليك الأبيض، قبل أن ينتقل إلى باريس عام ١٩٩٩ للمشاركة في معرضين جماعيين، بأعمال تتواتر فيها مواضيع ومراجع مستقاة من طفولته ومراهقته.
ومنذ تلك الفترة، بدأ الفنان في إدخال كلمات أو نصوص تفسيرية على الكثير من أعماله، تعكس في نظر دايفيس حاجته إلى تعزيز تشكيلاته البصرية ورغبته في التلاعب بهذه النصوص، وتحويلها إلى مادة دلالية وجمالية معا.
وسواء في سلسلة الصور التي التقطها في بداية مساره، أو في أعمال كثيرة لاحقة، تلاحظ الناقدة أيضا استخدام فاطمي الكثيف لكابلات هوائية بيضاء نظرا لمرونتها، وبالتالي لقدراتها التشكيلية الكبيرة، ولكن أيضا إلى شحنتها الرمزية كأداة تسمح بنقل الصور والمعلومات في عصرنا، أو بقطع فيضها على يد الرقابة.
ولا تهمل دايفيس الأعمال التي أنجزها فاطمي في الفترة ذاتها وساءل فيها مفهوم الهوية، كفيديو “الآخرون هم الآخرون” أوالمنحوتة الجدارية التي سجّل فيها أسماء الله الحسنى على تسعة وتسعين شارة بيضاء، أو الأعمال التي تفحّص فيها دور اللغة كوسيلة للبقاء على قيد الحياة.
وانطلاقا من عام ٢٠٠٠، تلاحظ الناقدة تركيز الفنان في عمله على الجوانب السياسية والدينية والثقافية للمواجهة المفترضة بين شرق وغرب، كما في التجهيزات الثلاثة التي رصدها لأحداث ١١ سبتمبر/أيلول ٢٠٠١.
ومن الأعمال الأخرى ذات الطابع السياسي، تقارب دايفيس تجهيزا بعنوان “مقابل الصمت” (٢٠٠٢) تناول فيه فاطمي اختفاء المعارض السياسي المغربي “مهدي بن بركة” في باريس، وتجهيزا بعنوان “مجموعة الدول الثماني الكبرى ـ المكانس” (٢٠٠٤) علّق فيه أعلام هذه الدول على مكانس، وتجهيزات كثيرة أخرى لجأ فيها إلى الحواجز الخشبية المستخدمة في رياضة الفروسية كرموز للحواجز السياسية والاجتماعية في مجتمعاتنا اليوم.
جمالية أكثر
وفي السياق السياسي ذاته، تدرج دايفيس الأعمال التي استخدم فاطمي فيها وثائق تاريخية، كتلك التي رصدها لإرث منظمة “الفهود السود” الثورية الأميركيةن ولجأ فيها إلى أرشيف مكتب التحقيقات الفيدرالي حول هذه المنظمة بهدف إعادة تحديد ظروف نشاطاتها، وأبرزها تجهيز بعنوان “الخروج من التاريخ” (٢٠٠٦).
أما أعمال فاطمي الحديثة فتعكس-في نظر دايفيس- سعيه إلى منح النصوص الحاضرة فيها أرضية صلبة ودقيقة، ضمن جمالية أكثر عدائية، كالمنحوتات والصور التي نشاهد فيها شفرات دوّارة من الفولاذ تعلوها تخطيطات عربية، أو الأعمال التي عزّز الفنان فيها الجانب اللاذع للنصوص باستخدامه حروفا عربية، أو لاتيني،ة أو عبرية من فولاذ.
ومن الأعمال الأخيرة المثيرة التي عالج فاطمي فيها مسائل اجتماعية راهنة، تتوقف دايفيس عند فيديو بعنوان “ساق الملاك السوداء” (٢٠١١) الذي يسلط الضوء على عملية زرع ساق سوداء على جسد أبيض في لوحة الرسام الإيطالي فرا أنجيليكو “شفاء الشمّاس جوستينيان”.
ولأن الفنان لم يُهمل أحداث “الربيع العربي” في عمله، تستحضر الناقدة الأميركية في نهاية دراستها صورة أنجزها عام ٢٠١،١ وتظهر فيها مكنستان عاليتان إلى جانب أعلام دول “الجامعة العربية”، وصورة أخرى بعنوان “أخضر صافي” يظهر فيها توني بلير مصافحا معمر القذافي خلال لقائهما عام ٢٠٠٤، وترمز إلى تواطؤ الغرب مع الأنظمة الدكتاتورية في عالمنا العربي.
________
*(الجزيرة)