لن أ رسم بعد اليوم/ بابلو بيكاسو



*ترجمة وإعداد: محمّد محمّد الخطّابي

(ثقافات)
أضيف إلى الذخيرة الفنية الهائلة لبابلو بيكاسو في عالم التشكيل، ذخيرة من نوع آخر في مجال علم الجمال والإبداع، باعتباره كاتبا وشاعرا إلى جانب كونه رسّاما بهرت رسوماته العالم في النّصف الأخير من القرن المنصرم.
و لقد عثر في إسبانيا منذ بضع سنوات عن شذرات ومقطوعات نثرية وشعرية مجهولة من طرف دارسيه والمتتبّعين لأعماله، ذلك أنّ بعض نصوصه الأدبية قد نشرت من قبل في فترات زمنيّة متباعدة، إلاّ أنّ نشر كتاباته مجتمعة في باريس في كتاب مستقلّ كانت قد أصدرته دار النّشر الشهيرة (غاليمار) في طبعة مزدوجة باللغتين الاسبانية والفرنسّية حسب اللغة التي كتبت بها فرنسية كانت أم إسبانية، قد لفتت أنظار الأوساط الأدبية و الفنية سواء في باريس أو مدريد نحو هذا الحدث الأدبي. إنّ كتابات بابلو بيكاسو قد أثارت من جانب آخر فضولا كبيرا لدى القرّاء من المعجبين والمتتبعّين لفنّ وحياة هذا الفنّان الفريد الذي طبع عصره . و قد كشفت هذه الكتابات أنّ ثلثي من مجموع ما كتبه بيكاسو لم يسبق نشره من قبل.
كتابات بيكاسّو في الواقع إنّما هي محاولة لترجمة شطحاته وخيالاته في عالم الإبداع التشكيلي، لذا فنحن واجدون في النماذج القصيرة التي نسوقها للقارئ، نوعا من الإفصاح العلني عن غايات ومرامي كتاباته و أبعادها و مدى تداخلها، وتناوشها ، وإقامة جسر بينها و بين رسوماته، و عليه فانّ كلمات مثل : الرّسم، اللون، الرّيشة، الليل، الغسق،الشفق، الأصيل، المصابيح، النار، الدم، الطيور، الحمائم، الشمس، البحر الغاب، الهياكل، الديدان، الدموع، الثيران، الحراب و سواها ممّا يشكل مفردات أو مواضيع رسوماته – يكثر تداولها في كتاباته، سواء كتبت بلغة الشاعرالرسّام الأصلية الاسبانية ، أو كتبت باللغة الفرنسية ،و ننقل للقارئ الكريم إنطلاقا من اللغة الإسبانية فيما يلي بعض النماذج الشعريّة أو النثريّة لهذا الفنّان العبقري..والكاتب:
لن أرسم بعد اليوم
لن أرسم بعد اليوم السّهم
الجاعل من قطرة الماء هدفا له
المرتعش عند الغسق
عندما تصفّرّ مع الرّياح
السّاعة المكتوبة
التي تتهادى بها الأرجوحة
على أنغام ضحكاتها

أعطى، أقلع، أعوّج، أقتل

أعطى، أقلع، أعوّج، أقتل، اخترق النّيران
أحرق، ألاطف، ألعق، أقبل، أنظر
أقرع جميع النواقيس حتى تنزف دما
أرهب الحمائم ، وأجعلها تطير من فوق أعشاشها
وتهوي إلى الأرض ميّتة من الإنهاك
أغلق جميع النوافذ والأبواب بالتراب
وبسدائل شعرك سوف أخنق جميع العصافير الصّادحة
سأقطف جميع الورود و ألهو بالحمل في يدي و أجعله يلتهم صدي
سأغسله بدموع حبوري و همومي
سأجعله ينام تحت أنغام عزلتي المشمسة
سأحفر بماء النار حقول القمح و القرطمان
حتى تموت في مواجهة الشمس
و سوف ألفّ الأنهار في ورق الجرائد
و ألقي بها من النافذة إلى الجدول
وعلى الرّغم من ندمه، إلاّ أنّه سيلملم ذنوبه و يمضي
جذلا ضاحكا و يضع عشّا له في بالوعة
سأكتم صوت الموسيقى في الغاب.
وأهشّمها على الصخور وأمواج البحر
سأعضّ السّبع على خدّه
وسأجعل ابن آوى يبكي حنانا أمام لوحة من ماء
حيث يترك يده تتساقط فيه من غير اكتراث
(17 سبتمبر 1935).
________________

عنقود من عنب
من حجرة إلى حجرة تسبح هياكل الماء
قطاف عناقيد عنب محرّكة طبيخها تحت لباب الخبز
و الآلة الراقنة تلد القطط والفئران
داخل قفص الذباب المتأرجح لتأجير جحور الديدان
و لسعات تورّد الخدود، تودّع صديد قطعة الشمس الميّتة والمنسيّة في ركن
خرقة وقطيفة الجواهر وتصفيفات الدموع تسرج المصابيح
و توقد مراجل حراب الثيران ورائحة سنبل الطّيب
فليحرقوا اللّهب المتخفيّ تحت الرّسومات
و ليذهبوا به أسيرا خلف لطخات العوسج
ملوّثة الأصبع في صبغة لوز الزّعفران
سابحة في مثلث شط أطراف اللحاف الأسود
والسّخام المتساقط من الزنّار الأخضر
يكبّل الزّمرة المهتاجة في السّاحة.
______________

*كاتب من المغرب يقيم فى إسبانيا .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *