ليلى البلوشى: دور النشر سبب عدم شهرة الكاتب العمانى


حوار: خالد بيومي


الأديبة العمانية ليلى البلوشي، مبدعة جمعت بين كتابة القصة القصيرة والشعر والمقالة ونقد أدب الأطفال، تحدثت فى حوارها معنا عن الأدب العمانى ووضعه على الخريطة الإعلامية، وأسباب عدم انتشار وشهرة الكتاب العمانيين بشكل كثيف كغيرهم من الأدباء العرب، تؤمن بأن من أهداف الكتابة وضع القارئ فى حيرة وارتباك تفتح ذهنه على عوالم جديدة، كما ترى أن الطفل العربى سيكون واعيا بدوره تجاه وطنه فى المستقبل بسبب المعاناة التى يعيشها … عن كتابتها للقصة القصيرة، ومشروع كتابة دراسة عن سيكولوجية رسوم الأطفال وقرارها بكتابة رواية دار هذا الحوار…
■ تكتبين القصة القصيرة والشعر والمقالة ونقد أدب الأطفال .. كيف توفقين بين هذه الاهتمامات؟
– أحب التنوّع على مستوى الحياة وعلى مستوى الأدب أيضا؛ أؤمن دائما بأن الإنسان مجموع قدرات هائلة أودعها الله تعالى فى داخله، ولكى نحس الضوء علينا بالمحاولة، وعلينا الإيمان بوجود هذه القدرات، ومن ثم اكتشافها رويدا رويدا، وهذا ما أحاول القيام به عبر فضول الاكتشاف، وعبر محبتى المفرطة فى التجريب والتنوع.
وأؤمن أن هذا التجريب سوف يدفعنى إلى دروب سأحبها .. أحبها كثيرا .. وكما قال الروائى التركى أورهان باموق: «كالعادة الأدب يسبق الحياة» هذا الإحساس العظيم بأن الأدب يسبق الحياة يضخ فى روحى لذة التجريب..!
■ أين تجدين نفسك أكثر؟
– أجد نفسى المكتملة فى جلّ الفنون الأدبية التى أمارسها بمتعة ومسئولية فى آن .. ودونها سأكون ناقصة كعصفور مقصوص الجناح.. عصفور صغير وجميل لكنه لا يمكنه التحليق بجناح واحد..!
■ لماذا تكتبين القصة القصيرة ونحن فى زمن الرواية؟
– نحن فى زمن كل شيء، فى زمن مدهش، فى زمن مجنون، فى زمن متناقض ومرتبك، وهذا الزمن المرتبك فى فوضى الرغبات والهموم والأوجاع يفرض كل شيء على شاكلته، وغدا لكل شيء جمهوره.. ولعل الغلبة للرواية وما يزال ولكن أيضا أشعر أن المقالة السياسية بدأت تفرض نفسها كمتنافس بجانب الرواية ولها قراءها ولها جمهورها..
أما القصة القصيرة فأنا أرى أن طبيعتها الإبداعية وكتابتها جاءت مفصلة على شروط هذا العصر السريع .. المتراكض .. اللاهث فيقتصر الناس كل شيء فى حيواتهم من أطعمة وألبسة وعلاقات بشرية معقدة إلى أكثرها خفة وبساطة ومواكبة لانشغالاتهم فى يوميات الحياة .. والقصة القصيرة تنهى من قراءتها قبل أن تصل إلى مشوارك وأنت فى قطار أو طائرة أو فى عيادة انتظار فى المشفى أو وقت تناول وجبتك السريعة، على عكس الرواية فعلى الرغم من عشق القراء لها إلا أنها تشغلك أياما وتخطفك عن مشاغلك وتستولى على حيز لا يستهان به من وقتك لا سيما إذا كانت رواية ضخمة..!
وكل ما سبق ليس دفاعا عن القصة القصيرة بل رؤية هذا الفن من زاوية مغايرة فى عصر مزاجه روائى على حد تعبير جمهور القراء ونقاده..!
■ قصصك تمزج بين الحلم والواقع .. ألم تخش إرباك القارئ وإيقاعه فى الحيرة؟
– ما أروع أن يربك الكاتب قارئه..! بل غاية من الكتابة هو أن نربك ونحرّض ونثير ونؤثر ونضج ونبنى مدنا ونرفع حضارات ونرقّع إحساسات القارئ الداخلية وفى الوقت نفسه نثيرها كبركان كى يبقى مشتعلا بالحياة أبدا، لا كجثة مهرت وثيقة وفاتها قبل الأوان بزمن طويل..!
■ قصصك تحمل روح الرواية بتعدد شخوصها وأسلوبها السردى .. ألم تفكرى فى كتابة رواية؟
– من الطبيعى ككاتبة يغلب عليها الأسلوب السردى أن تفكر فى كتابة رواية، ومازلت فى مرحلة تفكير، كون انشغالى حاليا منكب على مشروع أشتغل عليه منذ أعوام وأحاول حاليا الانتهاء منه، وهو مشروع حول دراسة سيكيولوجية فى رسوم الأطفال، وحين أنتهى منه سأفرغ نفسى لكتابة رواية بشكل جاد..!
■ بعد ترجمت أشعارك.. كيف تنظرين إلى قصائدك وهى تسافر إلى لغات أخرى؟
– تغمرنى سعادة مفرطة وأنا أتخيل كلماتى الشعرية يقرأها صوت إنجليزى أو إحساس إسبانى أو انفعال فرنسى .. شعور رائع .. رائع حد الدهشة..!
■ أنت ناقدة فى مجال أدب الطفل.. كيف تنظرين إلى واقع الكتابة للطفل فى العالم العربى؟
– رغم الأوضاع المحزنة والصعبة والدموية التى يعيش فى واقعها الطفل العربى، إلا أننى متفائلة أن كل تلك الأوضاع سوف تصنع طفلا مسئولا يعى تمام الوعى بمستقبله وبدوره كفرد فى وطنه..!
أما على مستوى الخليجى فإنى أستطيع القول بأن الطفل الخليجى هو طفل محظوظ .. طفل يتمتع بحقوق أكبر ويستشعر معنى الأمان بشكل أعمق عن غيره، وطبعا بؤرة الاهتمام على مستوى الخليج متفاوتة بنسب معينة، ولكن يظل الطفل الخليجى محظوظا ليس فقط لمهرجانات ومحافل تقام على شرفه، بل فى معنى «الأمان الأسرى» الذى يحظى به الطفل الخليجى، وسلب عنوة وظلما من أطفال آخرين..!
أولئك الذين أفقدتهم الحروب أسرهم وخطفت منهم بقسوة موجعة براءتهم .. كما أجبرتهم على العمل فى سن صغيرة مضحين بذلك بأروع أعوام حياتهم الطفولية، ناهيك عن الأمراض والاغتصابات والمشاهد الدموية التى أصبح يعايشها كمسلسل يومى لا نهاية له..!
■ لا نكاد نعرف مبدعين من سلطنة عمان سوى الشاعر سيف الرحبى والناقدة سعيدة بنت خاطر الفارسى .. من المسئول عن هذا التهميش برأيك؟
– لا مجال للتهميش فى عصر لا يستطيع أحد احتكار المشهد الثقافى فيه بسبب قنوات التواصل الحرة، فالكاتب الذى لا يجد متنا فى صفحات الصحف الورقية سيجد له فى الصفحات الإلكترونية فضاء رحبا، لا شك أن نخبة الكتاب فى عمان -كغيرها من الأقطار العربية- فى حالة تنام، ومعرض مسقط الأخير للكتاب ترجم هذا التنامى فى منشورات الشباب التى تجاوزت الضعف عن العام الماضى.
إنما منشأ عدم معرفة الآخر بنا هو عدم الجدية فى الوصول إلى الكاتب العمانى، أو تقصير من دور النشر فى الإعلام عنه.
الملمح الآخر فى شهرة كتاب كالشاعر سيف الرحبى والشاعرة سعيدة بنت خاطر هو اتصالهما المباشر بالجهات الرسمية، التى توفر لهما ولمن هو فى محيطهما فرصا أكثر لحضور الفعاليات الثقافية خارج سلطنة عمان .. مما يتيح للآخر معرفتهما أكثر حتى لو كان الآخر لا يقرأ مجلة «نزوى» الضاجة بالأقلام العمانية.
■ كيف تنظرين إلى ثورات الربيع العربى وتأثيرها على حركة الإبداع فى المستقبل؟
– الثورة تظاهرة عظيمة وحافلة وصحية، بدأ فتيلها فى العالم العربى كصدمة مدهشة أيقظت مفاصل الدهر فى روح الإنسان العربى، التى تجمدت فى كهوف الخوف وباطن الخيبة المريرة، التى اعتاد عليها العربى حتى تعطلت حواسه، وأفقدته إحساساته مع العالم الخارجى، الذى كان يراكض المستقبل والتطلع والانفتاح والديمقراطية، بينما هو بليد ومتفرج ومرتعب من مجرد خاطرة عن الحرية يخربشها طفل صغير على جدار عربى..!
ثورات الربيع العربى غيرت جسد العالم وتركيبته ليس على مستوى العربى وحده بل أيضا العالمى ..!
وبتأكيد لهذا تأثير جم على كيان الإنسان بعمومه كالخباز والحداد وصياد السمك فكيف إذن مع إنسان ومبدع أو منتج ككاتب وشاعر وفنان تشكيلى وفنان سينمائى.. غيرهم.. غيرهم فى آفاق الإبداع الرحب..
فرضت الثورة وتأثيراتها على العالم، ولا يكاد يخلو عمل فكرى أو ثقافى من ذكر للثورة وسيرتها فى حياة الإنسان وعالمه..
■ تعرف ما الأجمل فى ثورات الربيع العربى اليوم..؟! 
– الأجمل فيها هى أنها أصبحت ممارسة يومية.. واستحالت من فكرة مرتعبة ومستحيلة وغامضة بشتى انفعالاتها المتباينة إلى كيان إنسانى فردى وجماعى.. غدت أمرا معتادا نمارسه، وسينجب هذا التعوّد بدوره أشكال التغييرات التى قامت من أجلها الثورات، ومنّت نفسها بها مذ انبعاث الياسمين حتى لحظة التأرجح الحالية التى ينتصب على قامتها مصير الثورات العربية ..!
– مجلة روز اليوسف 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *