في مدرستي القديمة


مريم الساعدي *

كنت صغيرة، أجلس بقرب النافذة وأحدق في البعيد، كنت أحلم بالخروج، برؤية العالم.. كل العالم. أتطلع لجرس انتهاء الحصة، لجرس بدء الفسحة، لجرس انتهاء اليوم الدراسي. أنصت، بإصغاء، لكل جرس فيه إعلان حرية.

تذكرت هذه الخواطر وأنا ألبي دعوة «مدرسة مزيد» في العين، مدرستي القديمة، لإلقاء محاضرة للطالبات حول القراءة ضمن مبادرة «أبوظبي تقرأ». كنت محتارة ماذا سأقول لهن وكيف أقرب لهن الأفكار فلست بكاتبة أطفال. وجدتني أقف أمام فتيات صغيرات يعرفن أن الرواية عقدة وحل وأحداث وشخصيات يدور بينها حوار خارجي وداخلي. قرأت لهن قصة وظننت حين انتهيت أن لم يفهمني أحد. سألتهن ماذا فهمتن من القصة فقلن إن الشخصية تشعر بالندم لأنها كانت تسخر من العم المشلول، وتتمنى لو يعود للحياة لتحضر له رائحة الشمس في ورق شجر. أن تفهم طالبات صغيرات في مرحلة الابتدائي معنى «ندم» و«سخرية» و«الشمس في ورقة شجر» ليس بالأمر الهين. تمنيت وأنا أغادرهن أن يكبرن ليكن ناجحات كما ينبغي، أن تتحقق حياتهن كما يستحقن. تمنيت ألا يسقطن مع الزمن في مستنقع الإهمال. أن تكون لدى وزارة التربية خطط جادة لاكتشاف المواهب الحقيقية ورعايتها، والموهبة هي طفل «يفكر» «يحلل» و”يستنتج”، طفل مثل هذا يمكن أن يكون أي شيء على الإطلاق إذا تم الانتباه له والاهتمام به، ويمكن أن يتحول لكائن غاضب ساخر مليء بالمرارة لو تم إهماله وتهميشه. يحتاج الطفل الذكي للرعاية لأنه قبل أن يكون ذكيا فهو«طفل»، والجانب العاطفي يلعب دوراً كبيراً في التطور النفسي للفرد الذي بدونه لا يكون التطور الفكري سوياً بالضرورة.

بعد المحاضرة أخذتني الأستاذة عفراء العرياني في جولة حول المدرسة التي تحمل نفس اسم مدرستي القديمة لكن مبناها حديث عصري رائع، كم حلمنا لو كان لنا مثله في حينها؛ لكن لكل جيل نعمته. لفت انتباهي المسرح الجميل الرحب المزود بأحدث التقنيات، وفكرت لو يتم تفعيل المسرح المدرسي بحيث تتشكل فرق مسرحية من الطالبات بإشراف أستاذات متخصصات في المسرح، وليس المدرسات المثقلات بالأعباء التعليمية والإدارية، يكتشفن المواهب، ويعرضن مسرحيات عالمية يدعى إليها الأهالي وتنشأ مسابقات مسرحية بين المدارس وتشارك الطالبات في كتابة النصوص المسرحية والإخراج وتصميم الملابس والديكور، فتتطور بذلك مواهب في الكتابة والإخراج والتصميم وتتعزز ثقة الطالبات بأنفسهن، ويترسخ دور المسرح كرافد ثقافي هام يسهم في رقي المجتمع وتثقيفه.

«هل ترى ما أرى» كان سطرا من مسرحية مثلناها في الثانوية عن عمر الفاروق في تفقده لأحوال المسلمين، وكنت أقوم بدور الأم التي تطهو لأطفالها حجارة حتى يناموا بانتظار عشاء لا يأتي، تذكرته مع زميلات المدرسة وهن اليوم معلمات بنفس المدرسة تثقلهن هموم التدريس ومسؤولية البيت والأطفال وكل تلك الواجبات والأعباء الإدارية المطلوبة منهن والتي لا تصب بالضرورة في صلب العملية التعليمية القائمة أساساً على معلم قادر ومتعلم حاضر. ولكن التعليم حديث آخر ذو شجون.

الشكر لمدرسة «مزيد» على تلك الاستضافة ولمساعدة مديرة المدرسة الأستاذة الوقورة عائشة سلطان النعيمي لحميميتها ودفء روحها، ولمجلس أبوظبي للتعليم على مبادرة «أبوظبي تقرأ»، على أمل أن يكون الكتاب رفيق الطلاب الحميم، وصديقهم في دروب الحياة الواسعة والضيقة، المستقيمة والمتعرجة، فبالمعرفة وحدها تتوازن الخطوات.

وأنا أتجول في أروقة المدرسة استعدت أحلامي باستكشاف العالم والتي سكنتني طوال سنين المدرسة. الآن وأنا على أعتاب الأربعين، ربما لم أر الكثير من العالم حقاً، لكن الأكيد، أني بفضل القراءة، تجاوزت أسوار المدرسة.

– الاتحاد

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *