الروائية السورية لينا هويّان الحسن: الأدب أجمل الخيانات



هاني نديم *

 
تشكّل البادية حوالي ثلث مساحة سوريا، المكان الذي لم تحمه ذاكرة أدبية كما يليق بحجم إرثها وتاريخها المعقد، حتى إننا نستطيع القول إن الأدب السوري هو أدب مدني تماماً. البادية السورية التي أنجبت أكثر من ثلث مبدعي سوريا أيضاً، صدّرت لينا هويان حسن الروائية التي تقف اليوم حارسة المكان وخاتمة أسراره.. موثقة الحكايا والأساطير بأدوات تقنية ومدنية مقنعة! الجن والسحر والبدو والترحال والربابات والوشوم الزرقاء… والكثير من الدهشة.

لينا هويان حسن، “البدوية” الروائية التي في ذمتها روايات عدة تشبه التعاويذ بجوها الغرائبي وعالمها المغاير، “بنات النعش” و”سلطانات الرمال”، التقاها 24 ليسألها عن علاقتها الملتبسة بنصها الذي تقول عنه: “حين ينفجر النص يكون الكاتب أصبح بعيداً وبريئاً ومتفرجاً وتترك الأشياء لمصيرها”. كيف ينفجر النص، وكيف نفهم علاقة الكاتب بكتابته؟: “أنا أتنصّل من التزاماتي تجاه أبطالي الذين أوجدهم على الورق، أغدرهم في اللحظة التي أكون قد قررتها سلفاً، اتركهم لمصيرهم وأضعهم على حافة التحدي والمواجهة، كل بطل من أبطالي هو مشروع بطل حقيقي يتحدى القارئ، وأنا هنا أتفرج وأستمتع دون أن يرف لي جفن”.

التحايل على الحياة
تصف هويّان انزياحها نحو الشعرية في سردها الروائي بالخيانات الصغرى، هل هي هيبة الرواية من يتكلم هنا؟ تقول: “الأدب أجمل أشكال الخيانات وأكثرها دهشة، قوام كل النصوص الأدبية يتشكل من كل تلك الخيانات، كبيرها وصغيرها، التي نعلنها بذريعة الأدب. فما بالك بتلك النزوات العابرة التي نقترفها ونحن نلعب على حبال الأدب كأن نغامر بالقفز من حبال الرواية إلى حبال الشعر. لست من أولئك الذين يتزمتون بالتزاماتهم تجاه جنس أدبي بعينه. وعالم الأدب يشكل غواية لكل احتمالات الكتابة وأشكالها”.

ولكن إن كانت الفلسفة هي فن التحايل على الحياة، حسب وصف لينا هويان، فما هي الكتابة إذاً، تجيب: “الكتابة حليفة الفلسفة في منطق “التحايل” على الحياة. فالحياة لا تسمح لنا بقول كل ما نريد بشكل مباشر، إذاً هنيئاً لكل من يعتنق عالم “الحيلة والتحايل ” ليقول ما يريد وكما يشاء”.

لينا هويان ترفض نظرية “المعرفة حجاب” وتقول: “يا ليتها كانت حجاباً لكان شقاء العارف أقل، المعرفة أرقى أشكال الحرية، المعرفة حريتك التي لا تختلس منك أبداً”.

وتضيف: “لست من الذين يتألمون خلال الكتابة أنما أستمتع وحسب، وحدث فعلاً أني منذ مدة، عقب مَقتل أخي، بدأت بكتابة نص يتعلق به، وعندما أضناني ما كنت أكتب، أوقفت الكتابة، وشرعت بنص جديد وعوالم مختلفة. لست من الذين يكتبون لإيلام أنفسهم أكتب لإيلام غيري والقارئ تحديداً مستهدف”.

من “الفال” و”المندل” للأدب!
أخذك الأدب من السحر والزجر والعرافة.. هذا ما قلتيه في مكان ما، كيف نفهم، وأنت خريجة فلسفة، ترويجك، أو لنقل على الأقل: تدوينك للخرافة ودسّها في الحقائق، كما في سلطانات الرمال على سبيل المثال، كيف ترين الأمر؟ تجيب لينا: “أكرر أني لم أوظف ما أحببته في خدمة الأدب إنما العكس وهذا مصدر اعتدادي بمنطقي الكتابي والأدبي، فأنا أملك من الجرأة ما يكفي للتصريح بما أحببته أو ربما احترفته يوماً، العرافة مثلاً والضرب بالرمل وقراءة الطوالع من خلال التربّص بالفلك. كلما كتبت حضر ماضيّ المترع بالغرابة وبما لا يُصدق من مفارقات قدرية عشتها خلال طفولتي ومراهقتي المبكرة سمحت لي برؤية عوالم لن يراها إلا قلة نادرة وحدي أملك مفاتيحها وأسرارها. 

بالنسبة إلى الخرافات من لا يؤمن بها لن يؤمن بالمعجزات والحياة الخالية من الإيمان بالغرائبيات هي حياة بائسة زادُها الحبوب المهدئة والعيادات النفسية التي يزدحم بها العالم المعاصر”.

أدبك غرائبي إن اتفقنا على المصطلح، غرائبي المكان والزمان والشخوص، طرقك موصولة بالمفارقة والدهشة، هل شخصيتك كذلك، أم أنها مجرد تكنيك كتابي؟ تقول: “لا تصدق أحدا سواء أكان كاتبا أم شاعراً أنه لا يشبه ما يكتب، أنا تماماً ما أكتبه، فكما يقولون الإناء الذي ينضح بما فيه، وأدبي هو ما ينضحه خيالي المرتكز على أعمدة غريبة ومع كل نص جديد أكتبه يكتشف القارئ المزيد منها، فالانطباع الذي يتشكل عني لدى القارئ صحيح بالمطلق.

استثمار الشرّ
ككل البدو تؤمن لينا هويان بالثأر؟ تجيب: إنه السؤال الذي خشيت أن يسألني إياه أحد، “بلى” بكل صراحة أؤمن أن العين بالعين والسن بالسن، أجمل ما يمكن أن نفعله في الحياة ممارسة انتقاماتنا الشخصية، أنا لا أواري قناعاتي أبدا، أو ما قد يراه المجتمع المعاصر شرّا وأعمالي الأدبية القادمة ستثبت نواياي ” الشريرة” بكل وضوح وابداع. 

الصحراء، معبر هويّان نحو الأدب، أم مستقرها؟ سألناها، وسألناها ما إن كانت ثيمة الإغراق بالمحلية والمبالغة في الانتماء، مجرد “كليشيه” لكل من أراد التميز فأجابت: “أنا التي أجرؤ على مخالفة من حولي ونفسي، لست مخلصة لأقوالي، بصراحة، ليس مهنة الأدب الالتزام بمبادئ أدبية يأخذها على عاتقه وإلا وقع بمطب الجمود، وهذا مقتل حقيقي لجاذبية النص المفترضة. موت الكاتب هنا بالضبط، وهذا شهدناه أدبياً على المستوى العربي حيث بالغ أدباء كبار باجترار أنفسهم إلى حد الإسفاف. الكاتب يضع نفسه بمأزق حرج إذا ما أخلص لنمط وعالم بعينه ورواياتي القادمة ستثبت اصراري على خيانة رواياتي السابقة وروايتي “ألماس ونساء” التي تصدر قريباً جداً في بيروت ستثبت مزاعمي”.

ختاماً، سألنا البدوية التي تؤمن بالثأر وتضرب بالمندل: ماذا تريدين، لماذا تكتبين ومن تقصدين؟ فأجابت: “أنا من صنف البشر الذين يريدون كل شيء، ولم أقدم على مغامرة الكتابة إلا لأني جشعة وطماعة، ولا أقبل بأنصاف الأشياء وأثق بنفسي وبقدراتي، وبكل كلمة أكتبها هي حربي الجميلة التي أخوضها برغبة كبيرة ودونما خوف أو تردد، طالما انا أحيا لا يثنيني شيء عن كسب ما أريده. فقط أبوح بسرّ صغير: أكتب لأبهر من يقرأ نصوصي”.


موقع 24 الاماراتي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *