ميسلون هادي *
تعيش أصابع الكوافيرة في رأسها منذ ساعة ونصف الساعة، وبعد أن صبغت شعرها بألوان فاتحة تتدرج من الأشقر الغامق إلى الأشقر الفاتح، وضعت الماكيرة على جفونها ظلالاً خضراء وخطوطاً سوداء، ثم سحبت عيونها إلى النجوم البعيدة.
تحولت في ساعة ونصف الساعة من شكل إلى آخر.. وجهها المعتوه أصبح في منتهى النباهة.. ولم يره في المرآة سوى ثلاثة مجانين فقط هم الماكيير والكوافير ومساعد المخرج… ساعة ونصف الساعة أمام المرآة التي تحيط بها مصابيح وهاجة تشبه الثريات.. فتاة من برج الجوزاء.. تمثل دور الملكة الجميلة من أجل رغيف خبز ومعه قليل من اللحمة المتبّلة بالليمون واللبن الرائب والبقدونس زائداً خمسة أقداح عصير مشمش وثلاث برتقالات لعبد الله وعبد العزيز وعبد السلام.
لا معلومات لديها عن الدور الذي ستقوم به، فهي ليست ذات وجه معين في بقية الأيام، ولا يعرفها سوى صانع نجوم الكومبارس الذي يملك الأمل باليوم الحاضر فقط بوصفه خيراً من ألف يوم. أما «الأوردر» ليوم آخر فهو من أجل غد يعني الحياة بأكملها.. وبالتالي فهي سترتدي الخواتم والإسوارة ليصبح لها وجه أبيض وفم أحمر.. وخيط من الضوء بعد العدم، يأتي بعده يوم خير من ألف يوم، يرقص فيه الثلاثة عبد الله وعبد العزيز وعبد السلام من أجل رغيف الشاورمة.. لأن عبد الجليل قال لها في الهاتف:
– ألو تعالي
– ألو سأجي.
أو قد تنقلب الآية فتقول:
– ألو هل أجيء؟
– ألو تعالي.
منذ اليوم ستكون شقراء فاتنة.. ملكة لدقائق فقط.. كما لو أنها ستعيش هذا اليوم فقط ومن بعده لا يوم على الإطلاق.. ومن قبله كل يوم خافت وغير ذي قيمة. حالة لا تشبه أخرى.. إنه يوم واحد.. هذا أكيد، وبعد هذا اليوم الواحد تصبح الملكة وراءها.. والرغيف أمامها.. جالسة فوق السحاب تخاف أن تشرب الشاي أو حتى أن تتحرك أو تقول:
– شكراً.
– عفواً.
– أهلاً.
– تواً.
– غداً.
– بعد غد.
– البارحة.
ولكن ليست كل الأجوبة على هذه الشاكلة المختصرة، لأن عبد الجليل سألها بعد أن أصبحت تشبه الملكة وقال:
– هل أنت من برج العقرب؟
ثم أعاد السؤال بشكل أصعب:
– أنا من برج الميزان، فهل أنت من برج العقرب؟
بدا السؤال قد قيل في حياة سابقة .. إنه موجود وقريب من نفسها.. ولكن أين؟ لا تعرف.. لا يمكن أن يكون على أريكة البيت الكالحة.. ولا على كرسي المرحاض المكسور.. ولا فوق السرير المعدني.. مستحيل. كل هذه الأشياء تحركت في لحظة واحدة ولم تبق سوى الملكة التي جلست ساعة ونصف أمام مرآة الزينة… غرقانة عيونها بالكحل الأسود ويداها بالأساور الذهبية وأصابعها بالخواتم البراقة.. الكلام تسمعه ولا تجيب. السلام تسمعه ولا ترد. ولكن عندما سألها عبد الجليل: «هل أنت من برج العقرب؟»، شعرت أنها عاشت هذه اللحظة من قبل، أنها جلست على هذا الكرسي الوثير وسمعت هذا السؤال من خلف ضباب ضائع.. وخواتم كثيرة العدد.. ووجه مرسوم لدور ملكة..
أقسمتْ بينها وبين نفسها أنها سمعت السؤال من قبل وأجابت عنه، لا تدري في أي زمان.. الزمان ذاب في تلك اللحظة… وانفتحت الباب عن رجل يلقّنها الكلمات.. عشرون كلمة فقط تقولها الملكة في نصف دقيقة. بعد يوم كامل من الصبغ الأشقر والدبابيس الذهبية والمشط الأبيض الذي يرفع شعرها الطويل إلى الأعلى ويمطر عليه الياقوت واللؤلؤ. ساعة الحائط حطت عليها ملكة النحل بعد أن جاءت «عبلة المخبلة» من الباب المفتوح.. قال عبد الجليل ضاحكاً إنه لن يسمح لها، وهي الشهيرة إلى هذا الحد، بالدخول هكذا من دون أن يقدم لها لوح الشكولاته، لكن «عبلة» رفضت الشوكولاته، وقالت: «بَلَغني أن التصوير قد تأجل.. أعيدوا وجهي كما كان وشعري كما كان، فأنا أكره المكياج وأموت من الفرشاة. هذه أول وآخر مرة أسمح فيها بتسريح شعري».
الرجل الذي يلقنني الكلمات مات من الضحك ثم قال عشر كلمات في نصف دقيقة…
– تعرفين أني من برج الميزان، فهل أنت من برج العقرب؟
انتظار آخر.. صمت آخر.. صرخ بعده عبد الجليل للمرة الثالثة:
– لماذا لا تردين؟
– ………………………
– قولي من بعدي عشرين كلمة فقط: ما شأنك وبرجي أيها الرجل؟ وما الذي جاء بك إلى هنا حيث تعيش الملكات فقط؟ إن هذه المنطقة عذراء لم يصلها إنسي ولا جني من قبلك قط، فكيف ولماذا أتيت؟
– ………………………..
بدا وجه عبد الجليل مخيفاً وهو يعيد سؤاله للمرة الخامسة:
– تعرفين أني من برج الميزان، فهل أنت من يرج العقرب؟
– …………………………
ليصرخ ما يشاء.. أنا أعرف أنها عشرون كلمة، ولكني قد أجبت عن هذا السؤال في مرة سابقة وقلت له إنني من برج الجوزاء.
* كاتبة من العراق
( الرأي الثقافي)