احمد الخطيب *
أكرمي جملتي،
ثمّ خيطي الندى،
فالمرايا على سنّها العبقريِّ
تنادي على وجهةِ الأرضِ فينا
وفينا أنا والجهاتُ عقاربُ وقتٍ
تقصّى يد الأشقياءِ،
وقصَّ على منزلي
رمل أيامنا السّودِ، لم يتكئ مثلنا
جمرةً / أو حنينا
لهذا غفِلنا عن الوقتِ حتى غروب الجباهِ،
وعشنا أنا والجهاتُ،
ولمْ نفترشْ للنهار يقينا..
***
أكرمي جملتي
وحدَها، والمعاني،
وشقّي من الأرضِ نبعَ الظنونِ،
ولا ترحمينا
لأنا عَطِشنا كثيراً،
وكنّا نبيعُ سوادَ الحيادِ
لأهل الحدادِ،
ونسكَرُ لو شفَّ ثغرٌ عن الطينِ،
وانشقَّ طينُ الكتابة حرزاً مُبينا..
***
جمعنا الهواءَ هنا في كراريسِ هذي البناياتِ،
ثمَّ ارتقبنا هطول الحجارةِ…
شيءٌ من الأبديِّ الغريبِ تناثرَ صعقَ انتظارٍ
فخضنا
كما النّاسُ خاضوا لعابَ الرياحِ،
ومرّوا خفافاً على الوقتِ، لا
وقتَ للناسِ،
حتّى نباركَ هذا الخلاصَ الحزينَ..
***
كذلك نحنُ اعتباطاً خرجنا إلى شرفة في الرصيفِ،
ولم نستترْ من خواءِ المدى، مترفينا
فمالتْ رؤوسُ الشّهودِ على لحمنا، كانسحابِ
الجبالِ على السّهلِ إذ يرقبُ الخوفَ فينا،
هوَ السّهلُ يا ليلُ قصّرْ،
فما أرجوانٌ هنا يدّعي الوحيَ،
لكنّهُ الوحيُ إذ ينزعُ الآنَ،
منّا ضلالاً وطينا..
***
جمعنا الهواءَ بكرّاس ليلٍ طويلٍ
كما يفعلُ الأشقياءُ، وهمْ
ينزعون من الشيءِ في الشيءِ
جسماً ضنينا
ويتحدونَ لملء الفراغِ بناياتهمْ
ليلَ نثر القصيدةِ،
أو ليلَ هذا المكوثِ على الصبرِ
ملء التشظّي،
وإيقاعِ هذا العزوفِ عن الأرضِ،
ملء الصّدى في قرار الصعاليكِ
إذ يُنشئونَ سجونا..
***
كذلك مرّ الهواءُ
ولمْ يشترينا..
***
بَعُدنا عن الملكوتِ
سما طائرٌ في بقاع البلادِ،
وأشهدَنا -كنتُ في آخر الحيِّ
شاهدتُ نَسراً يجوبُ القلاعَ- على ثورةٍ
لانفكاكِ العقالِ،
ومرْبِطِ جوع اليتامى،
ونهر الخزامى، فجئتُ بأميالِ رحْلي
لأغبطَ ناسي
وهمْ يصطفونَ نحاسي
لبعضِ الأماسي،
ولكنني ما خرجتُ عنِ السّربِ،
حتى أعيدَ لكمْ ما رأيتُ،
فصلّوا صلاةَ الدّعاءِ،
وشُدّوا جهاتِ الدّعاءِ لأجلي،
فقدْ أبرأتنا الحياةُ منَ الرّكضِ
قالَ الإمامُ: تواصَوْا،
فقال الجموعُ: على سكّة الجُرفِ أمرانِ،
خلو انكسار المرايا،
يقولُ النبيُّ المطاردُ من أهلهِ
لا تردّوا السبيلَ إلى الاعوجاج،
فيَقضي على الليلِ ذِبْحاً سمينا
ويربو طنينُ المكانِ على ساكنيهِ،
ويُنشى،
وخلو انفتاحِ القصيدةِ في الفجرِ،
يُنشى الضحى،
بعدَ نأيِ الجهاتِ،
جهاتِ السكارى
ويدفعُ في الأحدبينِ أنينا..
***
كأنّا رَسَوْنَا على الماءِ،
قال الوحيدُ الذي فرّ منْ جِلدِهِ باتجاهي:
أنا حالة الصّفرِ،
ذوبُ الترابِ على راحة الطاعنينَ القُدامى،
ملاذُ القتيلِ من الجُرفِ،
صرخةُ أشجارهِ إذ تمرُّ على النهرِ،
ريفُ الخطى
لو تشظّى غصونا..
***
على بعد ضوءين،
خلتُ النّدى مُستكينا
فهرّتْ بلادٌ على ساكنيها،
وقامر قلبي
فزدتُ البهاءَ القديمَ سلاماً
تماماً
وجئتُ إلى جهةٍ،
وانحدرتُ صبياً وشيخاً عجوزاً،
وغيماً ثمينا
فعلّمني صبرُ نفْسي: أنِ التمَّ
حتى تجوزَ الحياةَ،
ولا «تَقْفُ» ما ليسَ يُجبى،
تماماً،
وما ليس يُجبى نهارٌ مُقفّى
وعُمرٌ مُصفّى
ولا «تَقْفُ» ما ليس يخفى
أنا السرمديُّ،
الجهاتُ أمامي
ونايُ الرّعاةِ إمامي
وهذا طريقُ الصّفا،
فابتلعْ خطوتينِ على سِلكِ هذا الطريقِ،
ودُرْ حيثُ دارَ بوجهتهِ،
كلّنا عابرٌ للطريقِ إماماً
وهُمْ خلفنا سالكونا..
***
كفيفاً تظلُّ إذا ناسَ شيءٌ
ومرّت خَطايا الشعوبِ على سَعة الانتظارِ
ووحدكَ تعلو على دمعتيِّ الوجودِ خيالاً رصينا
كفيفاً مُعافى من الليلِ والنهرِ
صبراً لهذي المرايا
وشعبٌ يرى في منامِ الجهاتِ إذا فرّ
أو كرَّ
فجراً نبياً أمينا
وأنتَ إذا ما احتشدتَ على كلّ نهرٍ
يُغالبُكَ النهرُ،
أو تقفز الأرضُ من رحمها،
ثَمَّ رملٌ يعيشُ على وقعها في المساءِ هجينا..
***
كأنّك ما كنتَ،
أو كنتَ مثلي رحيماً
وخلاً لهذي الكتابةِ إذ تمنحُ الريحَ وقتاً دفينا،
أو تسرقُ الريحُ منها
حوراً مكينا..
***
كأنّك فينا
تدوخُ على إثرِ ما يصنعونَ،
وتخفى
فيخفى الرّمادُ،
وتخفى الولاداتُ شيئاً فشيئاً،
وليلٌ طويلُ الغواياتِ يغبطُ مشيَ العراةِ،
وينسخُ
ثَمَّ اتّساعٌ لشبرٍ من الموتِ،
شبرٍ من الانتشاءِ الأخيرِ المُقِرّ بفعلِ الجناةِ،
وشبرٍ من الأرضِ يحتاجُ
أنْ نتدلّى،
لنسألَ كلّ الجباةِ،
لماذا نبهتمْ على خفّةٍ من خفيفِ الذنوبِ القرينا؟!
وحِرتمْ بأمصالِ هذي الذنوبِ الصغيرةِ،
كيفَ انسحبتمْ إلينا،
ومنّا
وفينا
ولم تُنشئوا سورةً للجمالِ،
الجمالِ المُسمّى يقينا..
***
كأنّك ما جُزتَ رتْقَ الجهاتِ،
ولا خنتَ فَتْقَ المرايا
تشظّيتَ حتّى استللتَ الفراغَ
استويتَ على الأمرِ،
مِتَّ كما أنتَ تهوى
ويهوى على الظلِّ ظلٌّ،
وفي الأرضِ صبرٌ وعبّادُ شمسٍ،
وقوسٌ،
وأشجارُ كينا..
***
نويتُ الوضوحَ
فأورقَ هذا الشّقاءُ
وعبّأني بالضجيجِ
كما كنتُ أهوى،
أنا الأبديُّ الأخيرُ
اصطفيتُ لميلادِ حرفي الرّصيفَ،
وقلتُ لهُ: لا تكنْ مثقلاً بالخطايا
ولا تنزعجْ بالمرايا
إذا ما لمستَ الوجوهَ
الوجوهَ التي في القفا
ورحتَ إلى الماءِ تبرئُ مِنْ وعكةِ الريحِ
هذا الصّفا
وجالَ بكَ الصوتُ في كلّ ما كنتَ تكتبُ،
أنتَ ولِدتَ لتكتبَ
عشتَ لتكتبَ
مِتَّ إذا الموتُ صارَ ذبيح النهايةِ
والحدْسُ صار مُشينا..
***
هيَ الجُملةُ البِكْرُ،
قلْبُ الموازينِ،
غدْرُ النّحاةِ بأفراسها
والبداياتُ،
زجُّ التشابُهَ في لعبة النحلِ،
إذ يفرُطُ النخلَ،
يَمْشُطُ سربَ الجهاتِ،
ويأتي إلى بيتهِ قاتلاً ومُعينا
وبوحُ العلاقةِ بين المؤنّثِ والزهرِ،
بين الوصولِ إلى خلوةٍ
والنكوصِ إلى فرصةٍ للجلالِ،
وبين المثال وبين الخيالِ
هنا شُبْهةٌ للذكورةِ،
لكنّها لا تَشيُل مداها،
ولا تستردَّ يدَ الغَزْلِ
تَعْمى قليلاً
وتُنسى إذا ما تأنّث هذا المكانُ
المكانُ المُعوّلُ،
تُنسى،
كذلك نحنُ
إذا ما اختلفنا نسينا..
***
أكرمي جملتي
وسيقَ الذينَ اتّقوْا في الخرابِ
اتّقوْا، سالمينا
لأنّ البداياتِ تشبِهُ وجهَ البداياتِ،
والماءُ صنوَ المُرادِ المُقفى،
وصفوَ الغيومِ وأصفى،
لتسلُكَ مثلي على قلّة البحرِ مينا
كأنّي سأفرغُ نصي،
على شاطئٍ غارقٍ في النهاياتِ
يشتطُّ
لو عدّلوهُ كفِرقٍ عظيمٍ
ومرّ على يَبَسِ الماءُ
يشتطُّ بعدي جنينا..
***
كأنّ القصائدَ أرجوحةٌ للمغنّي
ولا يستريحُ المُغنّي
هوَ الأبديُّ الطريدُ منَ العِطرِ،
عطرِ الفتى لو تغبّرَ مثلَ العجوزِ
سنينا
ولا يستريحُ منَ اللحنِ،
لكنّه لو أتى يستعيدُ المرايا
يُضلُّ القرونَ
ويحلجُ في الحرفِ كاف الخلودِ
وينسِلُ من لوثة الشعر نونا..
إذنْ
أكملي جُملتي
ولا تكسري الريحَ فينا..